النساء» فأنزل الله هذه الآية (١).
والمعنى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان ، (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) ، من دار الكفر إلى دار الإيمان ، وراغبات في فراق الكافرين ، والبقاء معكم.
(فَامْتَحِنُوهُنَ) أى : فاختبروهن اختبارا يغلب معه الظن بأنهن صادقات في هجرتهن وفي إيمانهن ، وفي موافقة قلوبهن لألسنتهن.
وقد ذكر ابن جرير في كيفية امتحانهن صيغا منها : ما جاء عن ابن عباس أنه قال : كانت المرأة إذا أتت رسول الله صلىاللهعليهوسلم حلفها بأنها ما خرجت بغضا لزوجها ، ولا رغبة في الانتقال من أرض إلى أرض ، ولا التماسا لدنيا ، وإنما خرجت حبا لله ولرسوله (٢).
وجملة : (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) معترضة لبيان أن معرفة خفايا القلوب ، مردها إلى الله ـ تعالى ـ وحده.
قال صاحب الكشاف : قوله : (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) أى : منكم ، لأنكم لا تكسبون فيه علما تطمئن معه نفوسكم ، وإن استحلفتموهن ودرستم أحوالهن ، وعند الله حقيقة العلم به (٣).
والمراد بالعلم في قوله ـ تعالى ـ : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) الظن الغالب.
أى : فإن غلب على ظنكم بعد امتحانهن أنهن مؤمنات صادقات في إيمانهن ، فأبقوهن عندكم ، ولا ترجعوهن إلى أزواجهن أو إلى أهلهن من الكفار.
وسمى الظن القوى علما للإيذان بأنه كالعلم في وجوب العمل بمقتضاه ، وإنما رد الرسول صلىاللهعليهوسلم الرجال الذين جاءوه مؤمنين بعد صلح الحديبية ، ولم يرد النساء المؤمنات ، لأن شرط الرد كان في الرجال ولم يكن في النساء ـ كما سبق أن ذكرنا نقلا عن القرطبي ـ ، ولأن الرجل لا يخشى عليه من الفتنة في الرد ما يخشى على المرأة ، من إصابة المشرك إياها ، وتخويفها ، وإكراهها على الردة.
قال بعض العلماء : قال كثير من المفسرين : إن هذه الآية مخصصة لما جاء في معاهدة صلح الحديبية ، والتي كان فيها من جاء من الكفار مسلما إلى المسلمين ردوه إلى المشركين ، ومن جاء من المسلمين كافرا للمشركين ، لا يردونه على المسلمين ، فأخرجت الآية النساء من المعاهدة ،
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٦١.
(٢) تفسير ابن جرير ج ٢٨ ص ٤٥.
(٣) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥١٧.