وأبقت الرجال ، من باب تخصيص العموم.
وتخصيص السنن بالقرآن ، وتخصيص القرآن بالسنن ، أمر معلوم.
ومن أمثلة تخصيص السنة بالكتاب ، قوله : صلىاللهعليهوسلم : «ما أبين من حي فهو ميت» أى : فهو محرم ، فقد جاء تخصيص هذا العموم بقوله ـ تعالى ـ : (وَمِنْ أَصْوافِها وَأَوْبارِها) أى : ليس محرما ، ومن أمثلة تخصيص الكتاب بالسنة قوله ـ تعالى ـ : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) فقد جاء تخصيص هذا العموم بحديث : «أحلت لنا ميتتان ودمان ، أما الميتتان : فالجراد والحوت ، وأما الدمان : فالكبد والطحال».
وقال بعض المفسرين : إنها ليست مخصصة للمعاهدة ، لأن النساء لم يدخلن فيها ابتداء ، وإنما كانت في حق الرجال فقط.
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنها مخصصة لمعاهدة الحديبية ، وهي من أحسن الأمثلة لتخصيص السنة بالقرآن ـ كما قال الإمام ابن كثير (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ) تعليل للنهى عن رد المؤمنات المهاجرات إلى دار الكفر ، أو إلى أزواجهن الكفار.
أى : لا ترجعوا ـ أيها المؤمنون ـ النساء المؤمنات المهاجرات إليكم من أرض الكفر إلى أزواجهن الكافرين ، فإن هؤلاء المؤمنات صرن بسبب إيمانهن لا يصح ارتباطهن بأزواجهن الكفار ، كما لا يصح لهؤلاء الكافرين الارتباط بالنساء المؤمنات.
فالجملة الكريمة المقصود بها تأكيد النهى عن رد المؤمنات المهاجرات إلى أرض الكفر ، ووجوب التفرقة بين المرأة المؤمنة وزوجها الكافر في جميع الأحوال.
قال ابن كثير : هذه الآية هي التي حرمت المسلمات على المشركين وقد كان ذلك جائزا في أول الإسلام ، أن يتزوج المشرك المؤمنة .. (٢).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) بيان لمظهر من مظاهر عدالة الإسلام في أحكامه. والخطاب لولاة الأمور. وهذا الإيتاء إنما هو للأزواج المعاهدين ، أما إذا كانوا حزبيين فلا يعطون شيئا.
أى : وسلموا إلى المشركين الذين جاءكم نساؤهم مؤمنات ، ما دفعوه لهن من مهور ، قال
__________________
(١) راجع أضواء البيان ج ٨ ص ١٦٠.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١١٨.