القرطبي : قوله : (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) : أمر الله ـ تعالى ـ إذا أمسكت المرأة المسلمة ، أن يرد إلى زوجها المشرك ما أنفق ، وذلك من الوفاء بالعهد ، لأنه لما منع من أهله ، بحرمة الإسلام ، أمر ـ سبحانه ـ برد المال إليه ، حتى لا يقع عليهم خسران من الوجهين : الزوجة والمال (١).
فالمراد بقوله ـ تعالى ـ (ما أَنْفَقُوا) : ما دفعه المشركون لأزواجهم المؤمنات.
وعبر عن هذه المهور بالنفقة ، للإشعار بأن هؤلاء الزوجات المؤمنات ، أصبحت لا صلة لهن بأزواجهن المشركين.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) تكريم لهؤلاء النساء المسلمات اللائي فررن بدينهن من أزواجهن المشركين.
أى : ولا حرج عليكم ـ أيها المؤمنون ـ في نكاح هؤلاء المؤمنات ، بعد فراقهن لأزواجهن المشركين ، وبعد استبرائكم لأرحامهن ، وعليكم أن تدفعوا لهن مهورهن كاملة غير منقوصة.
ونص على دفع المهر لهن ـ مع أنه أمر معلوم ـ لكي لا يتوهم متوهم ، أن رد المهر الى الزوج الكافر ، يغنى عن دفع مهر جديد لهن إذا تزوجن بعد ذلك بأزواج مسلمين ، إذ المهر المردود للكفار ، لا يقوم مقام المهر الذي يجب على المسلم إذا ما تزوج بامرأة مسلمة فارقت زوجها الكافر.
والمراد بالإيتاء : ما يشمل الدفع العاجل ، والتزام الدفع في المستقبل.
ثم نهى الله ـ تعالى ـ المسلمين عن إبقاء الزوجات المشركات في عصمتهم فقال : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ).
والعصم : جمع عصمة ، والمراد بها هنا : عقد النكاح الذي يربط بين الزوج والزوجة ، والكوافر : جمع كافرة ، كضوارب جمع ضاربة.
أى : ولا يصح لكم ـ أيها المؤمنون ـ أن تبقوا في عصمتكم ، زوجاتكم اللائي آثرن الكفر على الإيمان ، وأبين الهجرة معكم من دار الكفر إلى دار الإسلام ، وقد بادر المسلمون بعد نزول هذه الآية بتطليق زوجاتهم الكافرات فطلق عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ امرأتين له كانتا مشركتين ، وطلق طلحة بن عبيد الله إحدى زوجاته وكانت مشركة.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٦٥.