وهذه الجملة الكريمة تأكيد لقوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَ).
ثم بين ـ سبحانه ـ حكما آخر من الأحكام التي تدل على عدالة الإسلام في تشريعاته فقال : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) والجملة الكريمة معطوفة على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا).
أى : كما أنى شرعت لكم أن تعطوا الأزواج المشركين ، مهور نسائهم المسلمات اللائي فررن إليكم ، وتركن أزواجهن الكفار ، فكذلك شرعت لكم أن تطلبوا مهور نسائكم المشركات اللائي انفصلتم عنهن لكفرهن ، ولحقن بهؤلاء المشركين ، وليطلب المشركون منكم مهور نسائهم المؤمنات اللائي انفصلن عنهم وهاجرن إليكم.
ثم ختم ـ سبحانه ـ هذه الآية الكريمة ببيان أن هذه الأحكام ، إنما هي من الله ـ تعالى ـ العليم بأحوال النفوس ، الحكيم في أقواله وأفعاله ، فقال : (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).
أى : ذلكم الذي ذكرناه لكم من تشريعات تتعلق بالمؤمنات المهاجرات هي أحكام من الله ـ تعالى ـ فاتبعوها ، فهو ـ سبحانه ـ صاحب الحكم المطلق بينكم ، وهو ـ سبحانه ـ عليم بأحوال عباده ، حكيم في كل تصرفاته وتشريعاته.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ) بيان لحكم آخر يتعلق بالنساء اللائي التحقن بالمشركين ، وتركن أزواجهن المسلمين ، وأبى المشركون أن يدفعوا للمسلمين مهور هؤلاء الزوجات.
والجملة الكريمة معطوفة على قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا).
وقد ذكروا أن المسلمين لما نزل قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ ..) الآية. كتبوا إلى المشركين يعلمونهم بما تضمنته هذه الآية.
فامتنع المشركون عن دفع مهور النساء اللائي ذهبن إليهم ، بعد أن تركن أزواجهن المسلمين ، فنزل قوله ـ تعالى ـ : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ) (١).
قال ابن كثير : أقر المؤمنون بحكم الله فأدوا ما أمروا به من نفقات المشركين التي أنفقوها
__________________
(١) راجع تفسير القرطبي ج ١٨ ص ٦٨.