على نسائهم ، وأبى المشركون أن يقروا بحكم الله فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين ، فقال الله ـ تعالى ـ للمؤمنين به ، (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ) الآية (١).
وقوله (فاتَكُمْ) من الفوت بمعنى الفراق والترك والهرب ... يقال : فاتنى هذا الشيء ، إذا لم أتمكن من الحصول عليه ، وعدى بحرف إلى لتضمنه معنى الفرار.
ولفظ «شيء» هنا المراد به بعض ، وقوله : (مِنْ أَزْواجِكُمْ) بيان للفظ شيء.
وقوله : (فَعاقَبْتُمْ) يرى بعضهم أنه من العقوبة.
وعليه يكون المعنى : وإن تفلتت وفرت امرأة من أزواجكم ـ أيها المؤمنون ـ إلى الكفار ، وامتنعوا عن دفع مهرها لكم. (فَعاقَبْتُمْ) أى : فغزوتم أنتم بعد ذلك هؤلاء الكافرين وانتصرتم عليهم وظفرتم بمغانم منهم.
(فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ) منكم إلى الكفار من هذه المغانم (مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) أى : مثل المهور التي أنفقوها على زوجاتهم اللائي فررن إلى المشركين.
ويرى بعضهم أن قوله (فَعاقَبْتُمْ) صيغة تفاعل من العقبة ـ بضم العين وسكون القاف وهي النوبة ، بمعنى أن يصير الإنسان في حالة تشبه حالة غيره.
قال الآلوسى : قوله : (فَعاقَبْتُمْ) من العقبة لا من العقاب ، وهي في الأصل النوبة في ركوب أحد الرفيقين على دابة لهما والآخر بعده : أى : فجاءت عقبتكم أى نوبتكم من أداء المهر.
شبه الحكم بالأداء المذكور ، بأمر يتعاقبون فيه كما يتعاقب في الركوب.
وحاصل المعنى : إن لحق أحد من أزواجكم بالكفار ، أو فاتكم شيء من مهورهن.
(فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) من مهر المهاجرة التي تزوجتموها ، ولا تعطوا شيئا لزوجها الكافر ، ليكون قصاصا (٢).
وعبر عن هؤلاء الزوجات اللائي تركن أزواجهن المؤمنين ، وفررن إلى المشركين ، بلفظ «شيء» لتحقير هؤلاء الزوجات ، وتهوين أمرهن على المسلمين ، وبيان أنهن بمنزلة الشيء الضائع المفقود الذي لا قيمة له.
قال صاحب الكشاف : وجميع من لحق بالمشركين من نساء المؤمنين المهاجرين ست نسوة.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٢١.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٣٨ ص ٧٩.