للحساب والجزاء ، لاعتقادهم بأنه لا بعث بعد الموت ، ولا ثواب ولا عقاب ـ كما حكى القرآن عنهم ذلك في آيات كثيرة منها قوله ـ تعالى ـ (قالُوا أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ).
فالمقصود من الآية الكريمة ، تشبيه حال هؤلاء اليهود في شدة إعراضهم عن العمل للآخرة .. بحال أولئك الكفار الذين أنكروا إنكارا تاما ، أن هناك بعثا للأموات الذين فارقوا الحياة ، ودفنوا في قبورهم.
وعلى هذا الوجه يكون قوله ـ تعالى ـ : (مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) متعلق بقوله (يَئِسُوا) و (مِنَ) لابتداء الغاية.
ويصح أن يكون قوله ـ تعالى ـ : (مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) بيانا للكفار ، فيكون المعنى : قد يئسوا من الآخرة ، وما فيها من جزاء ... كما يئس الكفار الذين ماتوا وسكنوا القبور ، من أن ينالوا شيئا ـ ولو قليلا ـ من الرحمة ، أو تخفيف العذاب عنهم ، أو العودة إلى الدنيا ليعملوا عملا صالحا غير الذي أرادهم وأهلكهم.
وعلى كلا القولين ، فالآية الكريمة تنهى المؤمنين عن موالاة قوم غضب الله عليهم ، بأبلغ أسلوب ، وأحكم بيان.
حيث وصفت هؤلاء القوم ، بأنهم قد أحاط بهم غضب الله ـ تعالى ـ بسبب فسوقهم عن أمره ، وإعراضهم عن طاعته ، وإنكارهم للدار الآخرة وما فيها من جزاء.
وبعد فهذا تفسير لسورة «الممتحنة» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه الراجي عفو ربه
د. محمد سيد طنطاوى
القاهرة ـ مدينة نصر
صباح السبت : ٢ من رمضان ١٤٠٦ ه
١٠ من مايو ١٩٨٦ م