وفي الصحيحين عن عبادة بن الصامت قال : كنا عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم في مجلس فقال : بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ، ولا تزنوا ، ولا تقتلوا أولادكم .. فمن وفي منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا ، فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا فستره الله عليه ، فهو إلى الله ، إن شاء غفر له ، وإن شاء عذبه (١).
وكما افتتح ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بنداء للمؤمنين ، نهاهم فيه عن موالاة أعدائه وأعدائهم ، اختتمها ـ أيضا ـ بنداء لهم ، نهاهم فيه مرة أخرى عن مصافاة قوم قد غضب الله عليهم ، فقال ـ تعالى ـ :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) (١٣)
والمراد بالقوم الذين غضب الله عليهم : المشركون ، بصفة عامة ، ويدخل فيهم دخولا أوليا اليهود ، لأن هذا الوصف كثيرا ما يطلق عليهم.
فقد ذكروا في سبب نزول هذه الآية ، أن قوما من فقراء المؤمنين ، كانوا يواصلون اليهود. ليصيبوا من ثمارهم ، وربما أخبروهم عن شيء من أخبار المسلمين ، فنزلت الآية لتنهاهم عن ذلك.
أى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان ، ينهاكم الله ـ تعالى ـ عن أن تتخذوا الأقوام الذين غضب الله عليهم أولياء ، وأصفياء ، بأن تفشوا إليهم أسرار المسلمين ، أو بأن تطلعوهم على ما لا يصح الاطلاع عليه.
وقوله ـ تعالى ـ : (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) تعليل للنهى عن موالاتهم ، وتنفير من الركون إليهم.
واليأس : فقدان الأمل في الحصول على الشيء ، أو في توقع حدوثه.
والكلام على حذف مضاف ، أى قد يئس هؤلاء اليهود من العمل للآخرة وما فيها من ثواب ، وآثروا عليها الحياة الفانية .. كما يئس الكفار من عودة موتاهم إلى الحياة مرة أخرى
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٢٤.