«وقد» في قوله ـ تعالى ـ : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) للتحقيق ، والجملة حالية ، وجيء بالمضارع بعد «قد» للدلالة على أن علمهم بصدقه متجدد بتجدد ما يأتيهم به من آيات ومعجزات.
قال الجمل : قوله : (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) قد للتحقيق. أى : تحقيق علمهم. أى : لا للتقريب ولا للتقليل ، وفائدة ذكرها التأكيد ، والمضارع بمعنى الماضي.
أى : وقد علمتم ، وعبر بالمضارع ليدل على استصحاب الحال ، وعلى أنها مقررة للإنكار.
فإن العلم برسالته يوجب تعظيمه ، ويمنع إيذاءه ؛ لأن من عرف الله ـ تعالى ـ وعظمته ، عظّم رسوله (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ ما ترتب على إيثارهم الغي على الهدى ، فقال : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ).
والزيغ : هو الميل عن طريق الحق ، يقال : زاغ يزيغ زيغا وزيغانا ، إذا مال عن الجادة ، وأزاغ فلان فلانا ، إذا حوله عن طريق الخير إلى طريق الشر.
أى : فلما أصروا على الميل عن الحق مع علمهم به. واستمروا على ذلك دون أن تؤثر المواعظ في قلوبهم ... أمال الله ـ تعالى ـ قلوبهم عن قبول الهدى. لإيثارهم الباطل على الحق ، والضلالة على الهداية.
كما قال ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى ، وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) تذييل قصد به التقرير لما قبله ، من أن الزيغ يؤدى إلى عدم الهداية ، وبيان سنة من سنن الله في خلقه ، وهي أن من استحب العمى على الهدى ، وأصر على ذلك .. كانت عاقبته الخسران.
أى : وقد اقتضت حكمة الله ـ تعالى ـ أن لا يهدى القوم الخارجين عن طريق الحق ، إلى ما يسعدهم في حياتهم وبعد مماتهم ، لأنهم هم الذين اختاروا طريق الشقاء ، وأصروا على سلوكها.
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٣٦.
(٢) سورة النساء الآية ١١٥.