ثم ساق ـ سبحانه ـ جانبا مما قاله موسى ـ عليهالسلام ـ لقومه. وكيف أنهم عند ما انصرفوا عن الحق ، عاقبهم ـ سبحانه ـ بما يستحقون من عقاب فقال :
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) (٥)
وموسى ـ عليهالسلام ـ هو ابن عمران ، وهو واحد من أولى العزم من الرسل ، وينتهى نسبه إلى إبراهيم ـ عليهالسلام ـ.
وقد أرسله الله ـ تعالى ـ إلى فرعون وقومه وإلى بنى إسرائيل ، وقد لقى ـ عليهالسلام ـ من الجميع أذى كثيرا.
ومن ذلك أن فرعون وقومه وصفوه بأنه ساحر ، وبأنه مهين ، ولا يكاد يبين.
وأن بنى إسرائيل قالوا له عند ما أمرهم بطاعته : سمعنا وعصينا ، وقالوا له : أرنا الله جهرة وقالوا له : اجعل لنا إلها كما لهم آلهة .. وقالوا له : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون.
وقالوا عنه : إنه مصاب في جسده بالأمراض ، فبرأه الله ـ تعالى ـ مما قالوا.
قال ابن كثير : وفي هذا تسلية لرسوله صلىاللهعليهوسلم فيما أصابه من الكفار من قومه وغيرهم ، وأمر له بالصبر ، ولهذا قال : «رحمة الله على موسى ، لقد أوذى بأكثر من هذا فصبر».
وفيه نهى للمؤمنين عن أن ينالوا من النبي صلىاللهعليهوسلم ، أو يوصلوا إليه أذى ، كما قال ـ تعالى ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قالُوا ، وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) (١).
أى : واذكر ـ أيها الرسول الكريم ـ وذكر أتباعك ليتعظوا ويعتبروا ، وقت أن قال موسى ـ عليهالسلام ـ لقومه على سبيل الإنكار والتعجيب من حالهم.
(يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي) : قال لهم : يا أهلى ويا عشيرتي لما ذا تلحقون الأذى بي؟.
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٣٥.