وقوله ـ سبحانه ـ : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) بيان لموقف بنى إسرائيل الجحودى من أنبياء الله ـ تعالى ـ.
والضمير في قوله (جاءَهُمْ) يرى بعضهم أنه يعود لعيسى ، ويرى آخرون أنه يعود لمحمد صلىاللهعليهوسلم أى : فلما جاء عيسى ـ عليهالسلام ـ أو محمد صلىاللهعليهوسلم إلى بنى إسرائيل بالآيات البينات الدالة على صدقه ، قالوا على سبيل العناد والجحود : هذا سحر واضح في بابه. لا يخفى على أى ناظر أو متأمل.
ومن المعروف أن بنى إسرائيل قد كذبوا عيسى ـ عليهالسلام ـ وكفروا به ، ونسبوا إلى أمه الطاهرة ، ما هي بريئة منه ، ومنزهة عنه.
كما كذبوا محمدا صلىاللهعليهوسلم وكفروا به ، وصدق الله إذ يقول : (فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ، فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ).
ووصفوا ما جاء به بأنه سحر مبين ، على سبيل المبالغة فكأنهم يقولون إن ما جاء به هو السحر بعينه ، مع أنهم يعرفون أن ما جاء به هو الحق كما يعرفون أبناءهم ، ولكن ما جبلوا عليه من جحود وعناد ، حال بينهم وبين النطق بكلمة الحق.
ثم بين ـ سبحانه ـ أن هؤلاء المشركين هم أشد الناس ظلما للحق ، وأنه ـ سبحانه ـ سيظهره لا محالة ، رضوا بذلك أم كرهوا وأن هذا الدين سيظهره الله ـ تعالى ـ على بقية الأديان ، مهما كره الكافرون. فقال ـ تعالى ـ :
(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧) يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (٩)
والاستفهام في قوله : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) للإنكار والنفي. والافتراء : اختلاق الكذب واختراعه من جهة الشخص دون أن يكون له أساس من الصحة ، وقوله : (وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ) جملة حالية.