واسم الإشارة في قوله : (ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) يعود إلى ما سبق ذكره من الإيمان والجهاد. أى : ذلكم الذي أرشدناكم إلى التمسك به من الإيمان والجهاد في سبيل الله ، هو خير لكم من كل شيء إن كنتم من أهل العلم والفهم.
فقوله (تَعْلَمُونَ) منزل منزلة الفعل اللازم ، للإشعار بأن من يخالف ذلك لا يكون لا من أهل العلم ، ولا من أهل الإدراك.
وجعله بعضهم فعلا متعديا ، ومفعوله محذوف ، والتقدير : إن كنتم تعلمون أنه خير لكم فافعلوه ، ولا تتقاعسوا عن ذلك.
وقوله ـ سبحانه ـ : (يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) مجزوم على أنه جواب لشرط مقدر ، أى : إن تمتثلوا أمره ـ تعالى ـ يغفر لكم ذنوبكم.
ويصح أن يكون مجزوما على أنه جواب للأمر المدلول عليه بلفظ الخبر في قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك (تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ). لأنهما ـ كما قلنا ـ وإن جاءا بلفظ الخبر ، إلا أنهما في معنى الأمر ، أى : آمنوا وجاهدوا.
أى : آمنوا بالله ـ تعالى ـ إيمانا حقا ، وجاهدوا في سبيل إعلاء كلمته بأموالكم وأنفسكم ، يغفر لكم ـ سبحانه ـ ذنوبكم ، بأن يزيلها عنكم ، ويسترها عليكم.
(وَيُدْخِلْكُمْ) فضلا عن ذلك (جَنَّاتٍ) عاليات (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أى :
تجرى من تحت مساكنها وبساتينها الأنهار.
ويعطيكم (مَساكِنَ طَيِّبَةً) أى : قصورا مشتملة على كل ما هو طيب ونافع.
وخصت المساكن الطيبة بالذكر ، لأن المجاهدين قد فارقوا مساكنهم ، ومنهم من استشهد بعيدا عنها ، وفيها أهله وماله ... فوعدهم ـ سبحانه ـ بما هو خير منها.
وقوله (فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ) أى : هذه المساكن الطيبة كائنة في جنات باقية خالدة ، لا تزول ولا تنتهي ، بل أصحابها يقيمون فيها إقامة دائمة ، يقال : عدن فلان بالمكان ، إذا أقام فيه إقامة مؤبدة.
(ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أى : ذلك الذي منحناكم إياه من مغفرة لذنوبكم ، ومن خلودكم في الجنة ... هو الفوز العظيم الذي لا يقاربه فوز ، ولا يدانيه ظفر.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَأُخْرى تُحِبُّونَها) بيان لنعمة أخرى يعطيهم ـ سبحانه ـ إياها ، سوى ما تقدم من نعم عظمى.