وسمى الله ـ تعالى ـ أصفياء عيسى وأنصاره بذلك لشدة إخلاصهم له ، وطهارة قلوبهم من الغش والنفاق ، فصاروا في نقائهم وصفائهم كالشىء الأبيض الخالص.
والأنصار : جمع نصير ، وهو من ينصر غيره نصرا شديدا مؤزرا.
والمراد بنصر الله ـ تعالى ـ : نصر دينه وشريعته ونبيه الذي أرسله بالهدى ، ودين الحق.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : كونوا أنصارا لله.
والمعنى : يا من آمنتم بالله ـ تعالى ـ حق الإيمان داوموا وواظبوا على أن تكونوا أنصارا لدين الله في كل حال ، كما كان الحواريون كذلك ، عند ما دعاهم عيسى ـ عليهالسلام ـ إلى نصرته والوقوف إلى جانبه.
فالكلام محمول على المعنى ، والمقصود منه حض المؤمنين على طاعة الرسول صلىاللهعليهوسلم وعلى الاستجابة التامة لما يدعوهم إليه ، كما فعل الحواريون مع عيسى ، حيث ثبتوا على دينهم ، وصدقوا مع نبيهم ، دون أن تنال منهم الفتن أو المصائب.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما وجه صحة التشبيه ـ وظاهره تشبيه كونهم أنصارا بقول عيسى لهم (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ).
قلت التشبيه محمول على المعنى ، وعليه يصح ، والمراد كونوا أنصار الله ، كما كان الحواريون أنصار عيسى كذلك حين قال لهم : من أنصارى إلى الله.
فإن قلت : فما معنى قوله : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ)؟ قلت : يجب أن يكون معناه مطابقا لجواب الحواريين : (نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) والذي يطابقه أن يكون المعنى : من جندي متوجها إلى نصرة دين الله (١).
والاستفهام في قوله ـ تعالى ـ : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) للحض على نصرته والوقوف إلى جانبه.
وأضافهم ـ عليهالسلام ـ إليه ، باعتبارهم أنصار دعوته ودينه.
وقوله : (إِلَى اللهِ) متعلق بأنصارى ، ومعنى «إلى» الانتهاء المجازى.
أى : قال عيسى للحواريين على سبيل الامتحان لقوة إيمانهم : من الجند المخلصون الذين أعتمد عليهم بعد الله ـ تعالى ـ في نصرة دينه ، وفي التوجه إليه بالعبادة والطاعة وتبليغ رسالته ...؟
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٢٨.