(الْقُدُّوسِ) أى : البليغ في الطهارة وفي التنزه عن كل نقص ، من القدس ـ بضم القاف وسكون الدال ـ بمعنى الطهر ، وأصله القدس ـ بفتح القاف والدال ـ وهو الإناء الذي يكون فيه ما يتطهر به ، ومنه القادوس وهو إناء معروف.
(الْعَزِيزِ) الذي لا يغلبه غالب (الْحَكِيمِ) في كل أقواله وأفعاله وتصرفاته.
هذا ، ومن الآيات الكثيرة الدالة على أن جميع من في السموات ومن في الأرض ، يسبحون لله ـ تعالى ـ قوله ـ عزوجل ـ : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ، إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً ..) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر فضله على خلقه ، فقال : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ ، يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ ، وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ ...).
وقوله : (الْأُمِّيِّينَ) جمع أمى ، وهو صفة لموصوف محذوف. أى : في الناس أو في القوم الأميين ، والمراد بهم العرب ، لأن معظمهم كانوا لا يعرفون القراءة والكتابة.
وسمى من لا يعرف القراءة والكتابة بالأمى ، لغلبة الأمية عليه ، حتى لكأن حاله بعد تقدمه في السن ، كحاله يوم ولدته أمه في عدم معرفته للقراءة والكتابة.
و «من» في قوله ـ تعالى ـ : (مِنْهُمْ) للتبعيض ، باعتبار أنه واحد منهم ، ويشاركهم في بعض صفاتهم وهي الأمية.
وقوله : (يَتْلُوا ...) من التلاوة ، وهي القراءة المتتابعة المرتلة ، التي يكون بعضها تلو بعض.
وقوله : (وَيُزَكِّيهِمْ) من التزكية بمعنى التطهير والتنقية من السوء والقبائح.
والمراد بالكتاب : القرآن ، والمراد بتعليمه : بيان معانيه وحقائقه ، وشرح أحكامه وأوامره ونواهيه ..
والمراد بالحكمة : العلم النافع ، المصحوب بالعمل الصالح ، وفي وضعها إلى جانب الكتاب إشارة إلى أن المقصود بها السنة النبوية المطهرة ، إذ بالكتاب وبالسنة ، يعرف الناس أصلح الأقوال والأفعال ، وأعدل الأحكام وأقوم الآداب ، وأسمى الفضائل ..
أى : هو ـ سبحانه ـ وحده ، الذي (بَعَثَ) بفضله وكرمه ، (فِي) العرب (الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً) كريما عظيما ، كائنا (مِنْهُمْ) أى : من جنسهم يعرفون حسبه ونسبه وخلقه .. هذا
__________________
(١) سورة الإسراء آية ٤٤.