وفي سورة النساء نجد آيات متعددة تتحدث عن قبائحهم ، ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ ، وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ، يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ، وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً. وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ ، رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً).
أما سورة «التوبة» فهي أكثر السور حديثا عنهم ، ولذا سميت بالفاضحة لأنها فضحتهم على رءوس الأشهاد ، كما سميت بالمنقرة ، لأنها نقرت عما في قلوبهم ، وكشفت عنه ، كما سميت بالمبعثرة لأنها بعثرت أسرارهم .. (١).
والحق أنه لا تكاد تخلو سورة من السور المدنية ، من الحديث عن المنافقين وعن سوء سلوكهم وأخلاقهم. ووجوب ابتعاد المؤمنين عنهم.
٤ ـ والنفاق إنما يظهر ويفشو حيث تكون القوة ، لذا لم يكن للمنافقين أثر في العهد المكي ، لأن المؤمنين كانوا قلة مستضعفين في الأرض ، ومن كان هذا شأنه لا ينافقه الناس ، فضلا عن أن مشركي مكة كانوا بطبيعتهم جبابرة ، وكانوا يعلنون حربهم على الدعوة الإسلامية إعلانا سافرا. لا التواء معه ولا مداهنة.
أما المؤمنون في العهد المدني ، فقد كانوا أقوياء خصوصا بعد أن أسسوا دولتهم ، وانتصروا على المشركين في غزوة بدر .. كما انتصروا على اليهود .. فظهرت حركة النفاق في المدينة ، لمداهنة المؤمنين ، وللحصول على نصيبهم من الغنائم التي يغنمها المؤمنون .. ولغير ذلك من الأسباب التي ذكرها العلماء والمؤرخون ... (٢).
وسورة «المنافقون» فضحت أحوالهم ، وكشفت عن دخائلهم وعن خسة نفوسهم .. وختمت بموعظة المؤمنين ، وبحثهم على الإنفاق في سبيل الله ، وعلى تقديم العمل الصالح ، الذي ينفعهم في دنياهم وفي آخرتهم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
القاهرة ـ مدينة نصر
مساء الثلاثاء : ١٠ من شوال سنة ١٤٠٦ ه
١٧ / ٦ / ١٩٨٦ م
د. محمد سيد طنطاوى
__________________
(١) راجع مقدمة تفسيرنا لسورة التوبة.
(٢) راجع على سبيل المثال كتاب : (سيرة الرسول صلىاللهعليهوسلم) ج ٢ ص ١٧٦ للأستاذ محمد عزت دروزة.