وقوله : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أى : فهلاك وحسرة في هذا اليوم للمكذبين به.
(الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لك ـ أيها العاقل ـ فهلاك وحسرة في هذا اليوم للمكذبين بالحق ، الذين هم عاشوا حياتهم الدنيا يلهون ويلعبون دون أن يذكروا حسابا ولا ثوابا ولا عقابا.
وأصل الخوض : المشي في الماء ، ثم غلب استعماله في الاندفاع في كل باطل.
ثم بين ـ سبحانه ـ حالهم يوم القيامة فقال : (يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا ، هذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِها تُكَذِّبُونَ).
والدع : الدفع بعنف وشدة. يقال : دعّ فلان فلانا دعّا ، إذا دفعه بجفوة وغلظة ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ. فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ).
أى : اذكر ـ أيها العاقل ـ لتعتبر وتتعظ ، يوم يدفع هؤلاء المكذبون إلى النار دفعا قويا. لا رحمة معه ، ولا شفقة فيه ، ثم يقال لهم بعد هذا الطرد الشديد : هذه هي النار التي كنتم بها تكذبون في الدنيا ، ادخلوها فبئس مثوى المتكبرين.
ثم يقال لهم ـ أيضا ـ على سبيل التوبيخ والزجر : (أَفَسِحْرٌ هذا) أى أفسحر هذا الذي ترونه من العذاب كما كنتم تزعمونه في الدنيا؟
(أَمْ أَنْتُمْ لا تُبْصِرُونَ) أى : أم أنتم عمى عن مشاهدة العذاب المعد لكم فلا تبصرونه؟ لا ، إن هذا العذاب ليس سحرا ، ولستم أنتم بمحجوبين عن رؤيته ، بل هو أمام أعينكم ، ومهيأ لاستقبالكم ، وهذه النار تناديكم ، وملائكتنا تقول لكم :
(اصْلَوْها) أى : ادخلوها ، وقاسوا حرها (فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا) أى : ادخلوها داخرين فاصبروا على سعيرها أو لا تصبروا ، فهي مأواكم لا محالة.
(سَواءٌ عَلَيْكُمْ) الأمران ، الصبر وعدمه ، لأن كليهما لا فائدة لكم من ورائه.
فقوله : (سَواءٌ عَلَيْكُمْ) خبر لمبتدأ محذوف. أى : الأمران سواء بالنسبة لكم.
(إِنَّما تُجْزَوْنَ) في هذا اليوم عاقبة ، (ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أى : في الدنيا.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : لم علل استواء الصبر وعدمه بقوله : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)؟
قلت : لأن الصبر إنما يكون له مزية على الجزع ، لنفعه في العاقبة بأن يجازى عليه الصابر