وقوله ـ سبحانه ـ : (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) دعاء عليهم بالطرد من رحمة الله ـ تعالى ـ ، وتعجيب لكل مخاطب من أحوالهم التي بلغت النهاية في السوء والقبح.
عن ابن عباس أن معنى (قاتَلَهُمُ اللهُ) طردهم من رحمته ولعنهم ، وكل شيء في القرآن قتل فهو لعن .. (١).
و (أَنَّى) بمعنى كيف ، و (يُؤْفَكُونَ) بمعنى يصرفون ، من الأفك ـ بفتح الهمزة والفاء ـ بمعنى الانصراف عن الشيء.
أى : لعن الله ـ تعالى ـ هؤلاء المنافقين ، وطردهم من رحمته ، لأنهم بسيب مسالكهم الخبيثة ، وأفعالهم القبيحة ، وصفاتهم السيئة ... صاروا محل مقت العقلاء ، وعجبهم ، إذ كيف ينصرفون عن الحق الواضح إلى الباطل الفاضح ، وكيف يتركون النور الساطع ، ويدخلون في الظلام الدامس؟!!
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة : قد فضحت المنافقين ، وحذرت من شرورهم ، ووصفتهم بالصفات التي تخزيهم ، وتكشف عن دخائلهم المريضة.
ثم وصفهم ـ سبحانه ـ بصفات أخرى ، لا تقل في قبحها وبشاعتها عن سابقتها فقال ـ تعالى ـ :
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (٥) سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٦) هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ (٧) يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ
__________________
(١) تفسير ابن جرير ج ١٠ ص ١١٣.