فلما جاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم وكان يسير في مؤخرة الجيش شكا إليه عبد الله بن أبى ما فعله ابنه عبد الله معه.
فقال ابنه : والله يا رسول الله لا يدخلها حتى تأذن له. فأذن له رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
فقال عبد الله لأبيه : أما إذ أذن لك رسول الله صلىاللهعليهوسلم فجز الآن (١).
والآن وبعد ذكر جانب من هذه الآثار التي وردت في سبب نزول هذه الآيات ، نعود إلى تفسيرها فنقول وبالله التوفيق.
قوله ـ تعالى ـ : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ ، لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ ..) بيان لصفة أخرى من صفات المنافقين ، تدل على عنادهم وإصرارهم على كفرهم ونفاقهم.
والقائل لهم : (تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) جماعة من المؤمنين ، على سبيل النصح لهؤلاء المنافقين لعلهم يقلعون عن كفرهم وفجورهم.
والمراد باستغفار رسول الله صلىاللهعليهوسلم لهم : توبتهم من ذنوبهم ، وتركهم لنفاقهم ، وإعلان ذلك أمامه صلىاللهعليهوسلم لكي يدعو الله ـ تعالى ـ لهم بقبول توبتهم.
وقوله : (لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ) من اللى بمعنى الإمالة من جانب إلى آخر ، يقال : لوى فلان رأسه ، إذا أمالها وحركها ، وهو كناية عن التكبر والإعراض عن النصيحة.
أى : وإذ قال قائل لهؤلاء المنافقين : لقد نزل في شأنكم ما نزل من الآيات القرآنية التي تفضحكم .. فتوبوا إلى الله توبة نصوحا ، وأقلعوا عن نفاقكم ، وأقبلوا نحو رسول الله صلىاللهعليهوسلم بقلب سليم ، لكي يستغفر الله ـ تعالى ـ لكم ، بأن يلتمس منه قبول توبتكم .. ما كان من هؤلاء المنافقين ، إلا أن تكبروا ولجوا في طغيانهم ، وأمالوا رءوسهم استهزاء وسخرية ممن نصحهم.
(وَرَأَيْتَهُمْ) أيها المخاطب (يَصُدُّونَ) أى : يعرضون عن النصيحة (وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ) عن قبولها ، لانطماس بصائرهم ، وإصرارهم على ما هم فيه من باطل وجحود للحق.
قال الآلوسى ما ملخصه : روى أنه لما صدق الله ـ تعالى ـ زيد بن أرقم فيما أخبر به عن ابن أبى ، مقت الناس ابن أبى ، وقال له بعضهم : امض إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم واعترف بذنبك ، يستغفر لك ، فلوى رأسه إنكارا لهذا الرأى ، وقال لهم : لقد أشرتم على بالإيمان
__________________
(١) لمعرفة هذه الآثار بالتفصيل راجع تفسير ابن جرير ج ٢٨ ص ٧١ ، وتفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٥٢.