يَنْفَضُّوا ...)كلام مستأنف جار مجرى التعليل لفسقهم ، وحكاية لجانب من أقوالهم الفاسدة ... والقائل هو عبد الله بن أبى ، كما جاء في روايات أسباب النزول لهذه الآيات ، والتي سبق أن ذكرنا بعضها.
ونسب ـ سبحانه ـ القول إليهم جميعا ، لأنهم رضوا به ، وقبلوه منه.
ومرادهم بمن عند رسول الله صلىاللهعليهوسلم : المهاجرون الذين تركوا ديارهم في مكة ، واستقروا بالمدينة.
أى : إن هؤلاء المنافقين لن يغفر الله ـ تعالى ـ لهم ، لأنهم فسقوا عن أمره ، ومن مظاهر فسوقهم وفجورهم ، أنهم أيدوا زعيمهم في النفاق ، عند ما قال لهم : لا تنفقوا على من عند رسول الله من فقراء المهاجرين ، ولا تقدموا لأحد منهم عونا أو مساعدة ، حتى ينفضوا من حوله. أى : حتى يتفرقوا من حوله. يقال : انفض القوم : إذا فنيت أزوادهم يقال : نفض الرجل وعاءه من الزاد فانفض ، إذ انتهى زاده. وليس مرادهم حتى ينفضوا ويتفرقوا عنه ، فإذا فعلوا ذلك فأنفقوا عليهم. وإنما مرادهم ، استمروا على عدم مساعدتكم لهم ، حتى يتركوا المدينة ، وتكون مسكنا لكم وحدكم.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلِلَّهِ خَزائِنُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَفْقَهُونَ).
والخزائن : جمع خزينة ، وهي ما يخزن فيها المال والطعام وما يشبههما ، والمراد بها أرزاق العباد التي يمنحها الله ـ تعالى ـ لعباده.
أى : ولله ـ تعالى ـ وحده لا لأحد غيره ، ملك أرزاق العباد جميعا : فيعطى من يشاء ، ويمنع من يشاء ، ولكن المنافقين لا يفقهون ذلك ولا يدركونه ، لجهلهم بقدرة الله ـ تعالى ـ ، ولاستيلاء الجحود والضلال على نفوسهم.
ثم حكى ـ سبحانه ـ قولا آخر من أقوالهم القبيحة فقال : (يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ ...).
والقائل هو عبد الله بن سلول ، ولكن القرآن نسب القول إليهم جميعا لأنهم رضوا بقوله ، ووافقوه عليه.
وجاء الأسلوب بصيغة المضارع ، لاستحضار هذه المقالة السيئة ، وتلك الصورة البغيضة لهؤلاء القوم.
والأعز : هو القوى لعزته ، بمعنى أنه يغلب غيره ، والأذل هو الذي يغلبه غيره لذلته وضعفه.