وأراد عبد الله بن أبى بالأعز ، نفسه ، وشيعته من المنافقين ، وأراد بالأذل ، الرسول صلىاللهعليهوسلم ومن معه من المهاجرين وغيرهم من المؤمنين الصادقين.
والمراد بالرجوع في قوله (لَئِنْ رَجَعْنا) الرجوع إلى المدينة بعد انتهاء غزوة بنى المصطلق.
أى : يقول هؤلاء المنافقون ـ على سبيل التبجح وسوء الأدب ـ لئن رجعنا إلى المدينة بعد انتهاء هذه الغزوة ، ليخرجن الفريق الأعز منا الفريق الأذل من المدينة ، حتى لا يبقى فيها أحد من هذا الفريق الأذل ، بل تصبح خالية الوجه لنا. وقد رد الله ـ تعالى ـ على مقالتهم الباطلة هذه بما يخرس ألسنتهم فقال : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ).
أى : لقد كذب المنافقون فيما قالوه ، فإن لله ـ تعالى ـ وحده العزة المطلقة والقوة التي لا تقهر ، وهي ـ أيضا ـ لمن أفاضها عليه من رسله ومن المؤمنين الصادقين ، وهي بعيدة كل البعد عن أولئك المنافقين.
وقال ـ سبحانه ـ : (وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) بإعادة حرف الجر ، لتأكيد أمر هذه العزة ، وأنها متمكنة منهم لأنها مستمدة من إيمانهم بالله ـ تعالى ـ وحده.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) استدراك قصد به تجهيل هؤلاء المنافقين ، أى : ليست العزة إلا لله ـ تعالى ـ ولرسوله وللمؤمنين ، ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك ، ولا يعرفونه لاستيلاء الجهل والغباء عليهم ، لأنهم لو كانت لهم عقول تعقل ، لعلموا أن العزة لدعوة الحق ، بدليل انتشارها في الآفاق يوما بعد يوم ، وانتصار أصحابها على أعدائهم حينا بعد حين ، وازدياد سلطانهم وقتا بعد وقت.
قال صاحب الكشاف قوله ـ تعالى ـ : (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ...) أى : الغلبة والقوة لله ـ تعالى ـ ، ولمن أعزه الله وأيده من رسوله ، ومن المؤمنين ، وهم الأخصاء بذلك ، كما أن المذلة والهوان ، للشيطان وذويه من الكافرين والمنافقين.
وعن الحسن بن على ـ رضى الله عنهما ـ أن رجلا قال له : إن الناس يزعمون أن فيك تيها ، قال : ليس بتيه ، ولكنه عزة ، وتلا هذه الآية (١).
وقال الإمام الرازي : العزة غير الكبر ، ولا يحل للمؤمن أن يذل نفسه ـ لغير الله ـ فالعزة معرفة الإنسان بحقيقة نفسه ، وإكرامها عن أن يضعها في غير موضعها اللائق بها ، كما
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٥٤٣.