أن الكبر جهل الإنسان بنفسه ، وإنزالها فوق منزلتها. فالعزة تشبه الكبر من حيث الصورة ، وتختلف من حيث الحقيقة ، كاشتباه التواضع بالضعة ، فالتواضع محمود ، والضعة مذمومة ، والكبر مذموم والعزة محمودة .. (١).
هذا ، وإن المتدبر لهذه الآيات الكريمة وفي أسباب نزولها ، ليرى فيها ألوانا من العظات والعبر.
يرى فيها التصرف الحكيم من الرسول صلىاللهعليهوسلم إذ أنه صلىاللهعليهوسلم بمجرد أن بلغته تلك الأقوال التي قالها عبد الله بن أبى ، لكي يثير الفتنة بين المسلمين ، ما كان منه إلا أن أمر عمر ابن الخطاب ، بأن ينادى في الناس بالرحيل .. لكي يشغل الناس عما تفوه به ابن أبى ، حتى لا يقع بينهم ما لا تحمد عقباه.
كما يرى كيف أنه صلىاللهعليهوسلم عالج تلك الأحداث بحكمة حكيمة فعند ما أشار عليه عمر ـ رضى الله عنه ـ بقتل ابن أبى .. ما كان منه صلىاللهعليهوسلم إلا أن قال له : يا عمر ، كيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟! وأبى صلىاللهعليهوسلم أن يأمر بقتله بل ترك لعشيرته من الأنصار تأديبه وتوبيخه.
ولقد بلغ الحال بابنه عبد الله ـ رضى الله عنه ـ وهو أقرب الناس إليه ، أن يمنعه من دخول المدينة حتى يأذن له رسول الله صلىاللهعليهوسلم بدخولها.
كما يرى المتدبر لهذه الآيات ، والأحداث التي نزلت فيها ، أن النفوس إذا جحدت الحق ، واستولت عليها الأحقاد ، واستحوذ عليها الشيطان .. أبت أن تسلك الطريق المستقيم ، مهما كانت معالمه واضحة أمامها ..
فعبد الله بن أبى وجماعته ، وقفوا من الدعوة الإسلامية موقف المحارب لها ولأتباعها ، وسلكوا في إذاعة السوء حول الرسول صلىاللهعليهوسلم وحول أصحابه كل مسلك .. مع أن آيات القرآن الكريم ، كانت تتلى على مسامعهم صباح مساء ، ومع أن إرشادات الرسول صلىاللهعليهوسلم كانت تصل إليهم يوما بعد يوم ، ومع أن المؤمنين الصادقين كانوا لا يكفون عن نصحهم ووعظهم ..
كما نرى أن الإيمان متى خالطت بشاشته القلوب ، ضحى الإنسان من أجله بكل شيء .. فعبد الله بن عبد الله بن أبى بن سلول ، يقول للرسول صلىاللهعليهوسلم : يا رسول الله بلغني أنك تريد قتل أبى ، فإن كنت لا بد فاعلا فمرني به فأنا أحمل إليك رأسه ..
__________________
(١) راجع تفسير الفخر الرازي ج ٨ ص ١٥١.