فمن أجل الاشتغال بجمع المال ، يقضى الإنسان معظم حياته ، وكثير من الناس من أجل جمع المال ، يضحون بما يفرضه عليهم دينهم من واجبات ، ومن أخلاق ، ومن سلوك وآداب ..
ومن أجل راحة الأولاد قد يضحى الآباء براحتهم ، وبما تقضى به المروءة ، وصدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم حيث يقول : «الولد مجبنة مبخلة».
والتعبير بقوله ـ تعالى ـ : (لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) يشعر بأن المسلم إذا اشتغل بجمع المال. وبرعاية الأولاد ، دون أن يصرفه ذلك عن طاعة الله ، أو عن أداء حق من حقوقه ـ تعالى ـ ، فإن هذا الاشتغال لا يكون مذموما ، بل يكون مرضيا عنه من الله ـ تعالى ـ.
واسم الإشارة في قوله ـ سبحانه ـ : (وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) يعود إلى ما سبق ذكره من اللهو عن ذكر الله ، بسبب الأموال والأولاد.
أى : ومن يشغله حبه لماله وأولاده عن ذكر الله ، وعن أداء ما كلفه ـ سبحانه ـ به ، فأولئك هم البالغون أقصى درجات الخسران والغفلة. لأنهم خالفوا ما أمرهم به ربهم ، وآثروا ما ينفعهم في عاجلتهم الفانية ، على ما ينفعهم في آجلتهم الباقية ، ثم حضهم ـ سبحانه ـ على الإنفاق في سبيله فقال : (وَأَنْفِقُوا مِنْ ما رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ).
والمراد بالإنفاق : إنفاق المال في وجوه الخير والطاعات ، فيشمل الزكاة المفروضة ، والصدقات المستحبة ، وغير ذلك من وجوه البر والخير.
و «من» في قوله ـ تعالى ـ (مِمَّا رَزَقْناكُمْ) للتبعيض إذ المطلوب إنفاقه بعض المال الذي يملكه الإنسان ، وليس كله ، وهذا من باب التوسعة منه ـ تعالى ـ على عباده ، ومن مظاهر سماحة شريعته ـ عزوجل ـ.
والمراد بالموت : علاماته وأماراته الدالة على قرب وقوعه.
وقوله (فَيَقُولَ) معطوف على قوله (أَنْ يَأْتِيَ) ومسبب عنه.
و (لَوْ لا) بمعنى هلا فهي حرف تحضيض.
وقوله : (فَأَصَّدَّقَ) منصوب على أنه في جواب التمني ، وقوله : (وَأَكُنْ) بالجزم ، لأنه معطوف على محل (فَأَصَّدَّقَ) كأنه قيل : إن أخرتنى إلى أجل قريب أتصدق وأكن من الصالحين.
والمعنى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، لا تشغلكم أموالكم ولا أولادكم عن طاعة الله