ـ تعالى ـ بل داوموا عليها كل المداومة ، وأنفقوا بسخاء وسماحة نفس مما أعطيناكم من أرزاق كثيرة ، ومن نعم لا تحصى ، وليكن إنفاقكم من قبل أن تنزل بأحدكم أمارات الموت وعلاماته ...
وحينئذ يقول أحدكم يا رب ، هلا أخرت وفاتي إلى وقت قريب من الزمان لكي أتدارك ما فاتنى من تقصير ، ولكي أتصدق بالكثير من مالي ، وأكون من عبادك الصالحين.
وقال ـ سبحانه ـ (مِمَّا رَزَقْناكُمْ) فأسند الرزق إليه ، لكي يكون أدعى إلى الامتثال والاستجابة ، لأنه ـ سبحانه ـ مع أن الأرزاق جميعها منه ، إلا أنه ـ فضلا منه وكرما ـ اكتفى منهم بإنفاق جزء من تلك الأرزاق.
وقدم ـ سبحانه ـ المفعول وهو «أحدكم» على الفاعل وهو «الموت» ، للاهتمام بالمفعول ، وللإشعار بأن الموت نازل بكل إنسان لا محالة.
والتعبير بقوله : (لَوْ لا أَخَّرْتَنِي إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ...) يشعر بأن القائل قد قال ذلك زيادة في تأميل الاستجابة ، فكأنه يقول : يا رب ألتمس منك أن تؤخر أجلى إلى وقت قريب لا إلى وقت بعيد لكي أتدارك ما فاتنى في هذا الوقت القريب الذي هو منتهى سؤالى ، وغاية أملى ..
وقد بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك أنه لا تأخير في الأجل متى انتهى لا من قريب ولا من بعيد .. فقال : (وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُها ..).
أى : ولن يؤخر الله ـ تعالى ـ نفسا من النفوس ، متى انتهى أجلها في هذه الحياة ، وانقضى عمرها من هذه الدنيا ، كما قال ـ سبحانه ـ : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ).
وقوله : (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أى : والله ـ تعالى ـ مطلع اطلاعا تاما على أعمالكم الظاهرة والباطنة ، وسيجازيكم عليها بما تستحقون من ثواب أو عقاب.
وبعد فهذا تفسير لسورة «المنافقون» نسأل الله ـ تعالى ـ أن يجعله خالصا لوجهه ، ونافعا لعباده.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..
القاهرة : صباح الجمعة ١٣ من شوال سنة ١٤٠٦ ه ٣٠ / ٦ / ١٩٨٦ م |
كتبه الراجي عفو ربه د. محمد سيد طنطاوى |