وجيء هنا وفي سورة الجمعة بصيغة المضارع (يُسَبِّحُ) للدلالة على تجدد هذا التسبيح ، وحدوثه في كل وقت وآن.
وجيء في سورة الحديد ، والحشر ، والصف ، بصيغة الماضي (سَبَّحَ). للدلالة على أن التسبيح قد استقر وثبت لله ـ تعالى ـ وحده ، من قديم الزمان.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) مؤكد لما قبله ، من بيان أن جميع الكائنات تسبح لله ـ تعالى ـ لأنه مالكها وصاحب الفضل المطلق عليها.
وتقديم الجار والمجرور (لَهُ) لإفادة الاختصاص والقصر.
أى : له ـ سبحانه ـ وحده ملك هذا الكون ، وله وحده الحمد التام المطلق من جميع مخلوقاته ، وليس لغيره شيء منهما ، وإذا وجد شيء منهما لغيره فهو من فيضه وعطائه ، إذ هو ـ سبحانه ـ القدير الذي لا يقف في وجه قدرته وإرادته شيء.
ثم بين ـ سبحانه ـ أقسام خلقه في هذه الحياة فقال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ ، وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ).
والخطاب في قوله : (خَلَقَكُمْ) لجميع المكلفين من هذه الأمة.
والفاء في قوله : (فَمِنْكُمْ كافِرٌ) للتفريع المشعر بالتعجب من وجود من هو كافر بالله ـ تعالى ـ مع أنه ـ سبحانه ـ هو الذي خلقه ، وخلق كل شيء.
وقدم ذكر الكافر ، لأنه الأهم في هذا المقام ، ولأنه الأكثر عددا في هذه الحياة.
أى : هو ـ سبحانه ـ الذي خلقكم بقدرته ، دون أن يشاركه في ذلك مشارك ، وزودكم بالعقول التي تعينكم على معرفة الخير من الشر ، والنافع من الضار وأرسل إليكم رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم لكي يخرجكم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، وأنزل معه الكتاب الذي يدلكم على أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم وأنه صادق فيما يبلغه عن ربه ، وأمركم هذا الرسول الكريم بإخلاص العبادة لله ـ تعالى ـ وحده ، ولم يترك رسولنا صلىاللهعليهوسلم وسيلة تهديكم إلى الحق إلا وأرشدكم إليها ...
ومع ذلك وجد منكم المختار للكفر بالحق ، المعرض عن الإيمان بوحدانية الله ـ تعالى ـ وكان منكم المستجيب للحق باختياره المخلص في عقيدته لله ـ تعالى ـ المؤمن بوحدانيته ، المؤدى لجميع التكاليف التي كلفه ـ سبحانه ـ بها.
قال القرطبي ـ بعد أن ذكر جملة من الأقوال في معنى هذه الآية ـ : وقال الزجاج ـ وقوله أحسن الأقوال ، والذي عليه الأئمة والجمهور من الأمة ـ : إن الله خلق الكافر ،