وكفره فعل له وكسب ، مع أن الله خالق الكفر. وخلق المؤمن ، وإيمانه فعل له وكسب ، مع أن الله خالق الإيمان.
والكافر يكفر ويختار الكفر بعد خلق الله إياه ، لأن الله ـ تعالى ـ قدر ذلك عليه وعلمه منه ، ولا يجوز أن يوجد من كل واحد منهما ، غير الذي قدر عليه ، وعلمه منه .. (١).
وقوله : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أى : والله ـ تعالى ـ لا تخفى عليه خافية من أعمالكم ، وسيحاسبكم عليها يوم القيامة ، وسيجازى الذين أساءوا بما عملوا ، ويجازى الذين أحسنوا بالحسنى.
(خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِ) أى : خلقهن خلقا ملتبسا بالحق الذي لا يحوم حوله باطل ، وبالحكمة التي لا يشوبها اضطراب أو عبث ، فالباء في قوله «بالحق» للملابسة.
والمراد بالسموات والأرض : ذواتهن وأجرامهن التي هي أكبر من خلق الناس.
والمراد بالحق : المقصد الصحيح ، والغرض السليم ، الواقع على أتم الوجوه وأفضلها وأحكمها.
ثم بين ـ سبحانه ـ بعض مظاهر نعمه على الناس فقال : (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ).
وقوله : (وَصَوَّرَكُمْ) من التصوير ، وهو جعل الشيء على صورة لم يكن عليها ، وهو مأخوذ من مادة صار الشيء إلى كذا ، بمعنى تحول إليه ، أو من صاره إلى كذا ، بمعنى أماله وحوله.
أى : وأوجدكم ـ سبحانه ـ يا بنى آدم على أحسن الصور وأكملها وأبدعها وأجملها ، بدليل أن الإنسان لا يتمنى أن يكون على غير صورته التي خلقه الله عليها ، كأن يكون على صورة حيوان أو غيره.
وصدق الله إذ يقول : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ).
قال الآلوسى : ولعمري إن الإنسان أعجب نسخة في هذا العالم ، قد اشتملت على دقائق وأسرار شهدت ببعضها الآثار ، وعلم ما علم منها أولو الأبصار ، وكل ما يشاهد من الصور الإنسانية حسن ، لكن الحسن كغيره من المعاني على طبقات ومراتب .. كما قال بعض الحكماء : شيئان لا غاية لهما الجمال والبيان.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٣٢.