وقوله ـ تعالى ـ (وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) معطوف على ما قبله ، لأن التصوير يقتضى الإيجاد ، فبين ـ سبحانه ـ أن هذا الإيجاد يعقبه الفناء لكل شيء سوى وجهه الكريم.
أى : وإليه وحده ـ تعالى ـ مرجعكم بعد انتهاء آجالكم في هذه الحياة ، لكي يجازيكم على أعمالكم الدنيوية.
ثم بين ـ سبحانه ـ شمول علمه لكل شيء فقال : (يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أى : هو ـ سبحانه ـ لا يخفى عليه شيء في السموات والأرض.
(وَيَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ) ـ أيها الناس ـ والتصريح بذلك مع اندراجه فيما قبله ، من علم ما في السموات وما في الأرض ، لمزيد التأكيد في الوعد والوعيد.
(وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) والمراد بذات الصدور ، النوايا والخواطر التي تخفيها الصدور ، وتكتمها القلوب.
أى : والله ـ تعالى ـ عليم علما تاما بالنوايا والخواطر التي اشتملت عليها الصدور ، فأنت ترى أن هذه الآية الكريمة قد اشتملت على ثلاث جمل ، كل جملة منها أخص من سابقتها.
وجمع ـ سبحانه ـ بينها للإشارة إلى أن علمه ـ تعالى ـ محيط بالجزئيات والكليات ، دون أن يعزب عن علمه ـ تعالى ـ شيء منها.
وفي هذا رد على أولئك الكفار الجاحدين ، الذين استبعدوا إعادتهم إلى الحياة ، بعد أن أكلت الأرض أجسادهم ، وقالوا ـ كما حكى القرآن عنهم ـ (أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ).
ثم وبخهم ـ سبحانه ـ على عدم اعتبارهم بالسابقين من قبلهم فقال : (أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ، فَذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ. وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ).
والاستفهام في قوله (أَلَمْ يَأْتِكُمْ ..) للتقرير والتبكيت.
والمراد بالذين كفروا من قبل : قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ، من الأقوام الذين أعرضوا عن الحق ، فكانت عاقبتهم الدمار والهلاك.
والخطاب لمشركي قريش وأمثالهم ، ممن استحبوا العمى على الهدى.
والوبال في الأصل : الشدة المترتبة على أمر من الأمور ، ومنه الوبيل للطعام الثقيل على المعدة. المضر لها ... والمراد به هنا : العقاب الشديد الذي نزل بهم فأهلكهم ، وعبر عن هذا العقاب بالوبال ، للإشارة إلى أنه كان عذابا ثقيلا جدا ، لم يستطيعوا الفرار أو الهرب منه.
والمراد بأمرهم : كفرهم وفسوقهم عن أمر ربهم ، ومخالفتهم لرسلهم.