اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ (١٧) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٨)
ذكر المفسرون في سبب نزول هذه الآيات روايات منها ما روى عن ابن عباس ـ رضى الله عنهما ـ أن رجلا سأله عن هذه الآيات فقال : هؤلاء رجال أسلموا من مكة ، فأرادوا أن يأتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأبى أولادهم وأزواجهم أن يتركوهم ـ ليهاجروا.
فلما أتوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أى بالمدينة ـ رأوا الناس قد تفقهوا في الدين ، فهموا أن يعاقبوهم ـ أى : يعاقبوا أولادهم وأزواجهم ـ فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآيات (١).
وفي رواية أخرى عن ابن عباس أن هذه الآيات نزلت بالمدينة في عوف بن مالك الأشجعى ، شكا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم جفاء أهله وولده فنزلت (٢).
وصدرت الآيات الكريمة بالنداء بصفة الإيمان ، لحضهم على الاستجابة لما اشتملت عليه هذه الآيات من توجيهات سامية وإرشادات عالية .. فإن من شأن الإيمان الحق ، أن يحمل صاحبه على طاعة الله ـ عزوجل ـ.
و (مِنْ) في قوله (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ ..) للتبعيض.
والمراد بالعداوة ما يشمل العداوة الدينية والدنيوية ، بأن يكون هؤلاء الأولاد والأزواج يضمرون لآبائهم وأزواجهم العداوة والبغضاء وسوء النية ، يسبب الاختلاف في الطباع أو في العقيدة والأخلاق.
والعفو : ترك المعاقبة على الذنب بعد العزم على هذه المعاقبة.
والصفح : الإعراض عن الذنب وإخفاؤه ، وعدم إشاعته.
أى : يا من آمنتم بالله حق الإيمان ، إن بعض أزواجكم وأولادكم ، يعادونكم ويخالفونكم في أمر دينكم. وفي أمور دنياكم ، (فَاحْذَرُوهُمْ) أى : فاحذروا أن تطيعوهم في أمر يتعارض مع تعاليم دينكم ، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
(وَإِنْ تَعْفُوا) ـ أيها المؤمنون ـ عنهم ، بأن تتركوا عقابهم بعد التصميم عليه
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ١٦٥.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٤٠.