(وَتَصْفَحُوا) عنهم ، بأن تتركوا عقابهم بدون عزم عليه .. (وَتَغْفِرُوا) ما فرط منهم من أخطاء ، بأن تخفوها عليهم.
وقوله : (فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) قائم مقام جواب الشرط. أى : وإن تفعلوا ذلك من العفو والصفح والمغفرة ، يكافئكم الله ـ تعالى ـ على ذلك مكافأة حسنة ، فإن الله ـ تعالى ـ واسع المغفرة والرحمة لمن يعفون ويصفحون ويغفرون.
وقوله ـ تعالى ـ : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ.) تعميم بعد تخصيص ، وتأكيد التحذير الذي اشتملت عليه الآية السابقة.
والمراد بالفتنة هنا : ما يفتن الإنسان ويشغله ويلهيه عن المداومة على طاعة الله ـ تعالى ـ.
أى : إن أموالكم وأولادكم ـ أيها المؤمنون ـ على رأس الأمور التي تؤدى المبالغة والمغالاة في الاشتغال بها ، إلى التقصير في طاعة الله ـ تعالى ـ ، وإلى مخالفة أمره. والإخبار عنهم بأنهم (فِتْنَةٌ) للمبالغة ، والمراد أنهم سبب للفتنة أى : لما يشغل عن رضاء الله وطاعته ، إذا ما جاوز الإنسان الحد المشروع في الاشتغال بهما.
قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) أى : بلاء ومحنة ، لأنهم يترتب عليهم الوقوع في الإثم والشدائد الدنيوية وغير ذلك. وفي الحديث. يؤتى بالرجل يوم القيامة ، فيقال : أكل عياله حسناته.
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود والترمذي .. عن بريدة قال. كان النبي صلىاللهعليهوسلم يخطب ، فأقبل الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل صلىاللهعليهوسلم من فوق المنبر ، فحملهما .. ثم صعد المنبر فقال : صدق الله إذ يقول : (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ، إنى لما نظرت إلى هذين الغلامين يمشيان ويعثران ، لم أصبر أن قطعت كلامي ، ونظرت إليهما (١).
وقال الجمل : قال الحسن في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ) أدخل ـ سبحانه ـ (مِنْ) للتبعيض ، لأنهم كلهم ليسوا بأعداء ، ولم يذكر من في قوله (إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) ، لأنهما لا يخلوان من الفتنة ، واشتغال القلب بهما ، وقدم الأموال على الأولاد ، لأن الفتنة بالمال أكثر. وترك ذكر الأزواج في الفتنة ، لأن منهن من يكن صلاحا وعونا على الآخرة (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٨ ص ١٢٧.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٣٥٣.