ولفظ حسب بمعنى كاف وأصله اسم مصدر أو مصدر ، ومعنى (بالِغُ أَمْرِهِ) بإضافة الوصف إلى مفعوله ، أى : يبلغ ما يريده ـ سبحانه ـ ، وقرأ الجمهور (بالِغُ أَمْرِهِ) بتنوين الوصف ونصب أمره على المفعولية ، والمراد بأمره ، شأنه ومراده. وهذه الجملة تعليل لما قبلها.
أى : ومن يفوض أمره إلى الله ـ تعالى ـ ويتوكل عليه وحده ، فهو ـ سبحانه ـ كافيه في جميع أموره ، لأنه ـ سبحانه ـ يبلغ ما يريده ، ولا يفوته مراد ، ولا يعجزه شيء ، ولا يحول دون أمره حائل .. ومن مظاهر حكمه في خلقه ، أنه عزوجل ـ قد جعل لكل شيء تقديرا قبل وجوده ، وعلم علما تاما مقاديرها وأوقاتها وأحوالها.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً) وقوله ـ عزوجل ـ : (وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ).
قال بعض العلماء ما ملخصه : ولهذه الجملة ، وهي قوله ـ تعالى ـ : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) موقع تتجلى فيه صورة من صور إعجاز القرآن ، في ترتيب مواقع الجمل بعضها بعد بعض .. فهذه الجملة لها موقع الاستئناف البياني الناشئ عما اشتملت عليه جمل : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ..) إلى قوله : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ) لأن استعداد السامعين لليقين بما تضمنته تلك الجمل متفاوت ، فقد يستبعد بعض السامعين تحقق الوعد لأمثاله ، فيقول : أين انا من تحصيل هذا الشيء .. ويتملكه اليأس .. فيقول الله ـ تعالى ـ له : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) أى : فلا تيأس أيها الإنسان.
ولها موقع التعليل لجملة (وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ) فإن العدة من الأشياء التي تعد ، فلما أمر الله بإحصائها علل ذلك فقال : (قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).
ولها موقع التذبيل لجملة (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ ، وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) أى : الذي وضع تلك الحدود ، قد جعل الله لكل شيء قدرا لا يعدوه ، كما جعل الحدود.
ولها موقع التعليل لجملة : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) ، لأن المعنى إذا بلغن القدر الذي جعله الله لمدة العدة ، فقد حصل المقصد الشرعي ، الذي أشار إليه بقوله ـ تعالى ـ : (لا تَدْرِي لَعَلَّ اللهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً).
ولها موقع التعليل لجملة : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) فإن الله ـ تعالى ـ جعل الشهادة قدرا لرفع النزاع.