أى : ذلك الذي ذكرناه لكم من أحكام إنما يتأثر به ، ويعمل بمقتضاه الذين يؤمنون بالله ـ تعالى ـ وباليوم الآخر إيمانا حقا.
وخص ـ سبحانه ـ الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر بالذكر ، لأنهم هم المنتفعون بهذه الأحكام ، وهم المنفذون لها تنفيذا صحيحا.
ثم بشر ـ سبحانه ـ عباده الذين يتقونه ويراقبونه ببشارات متعددة فقال : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
والجملة الكريمة اعتراض بين قوله ـ تعالى ـ : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ) وبين قوله ـ سبحانه ـ بعد ذلك : (وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ).
وجيء بهذا الاعتراض بين هذه الأحكام لحمل النفوس على تقبل تشريعاته ـ تعالى ـ وآدابه ، ولحض الزوجين على مراقبته ـ سبحانه ـ وتقواه.
أى : ومن يتق الله ـ تعالى ـ في كل أقواله وأفعاله وتصرفاته. يجعل له ـ سبحانه ـ مخرجا من هموم الدنيا وضوائقها ومتاعبها ، ومن شدائد الموت وغمراته ، ومن أهوال الآخرة وعذابها ، ويرزقه الفوز بخير الدارين ، من طريق لا تخطر له على بال ، ولا ترد له على خاطر ، فإن أبواب رزقه ـ سبحانه ـ لا يعلمها أحد إلا هو ـ عزوجل ـ.
وفي هذه الجملة الكريمة ما فيها من البشارة للمؤمن ، حتى يثبت فؤاده ، ويستقيم قلبه ، ويحرص على طاعة الله ـ تعالى ـ في كل أحواله.
قال القرطبي : قال أبو ذر ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنى لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم ، ثم تلا : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ).
وعن جابر بن عبد الله قال : نزلت هذه الآية في عوف بن مالك الأشجعى ، أسر المشركون ابنا له ، فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم وأخبره بذلك. فقال له صلىاللهعليهوسلم : «اتق الله واصبر ، وآمرك وزوجك أن تستكثرا من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله».
فعاد إلى بيته وقال لامرأته : إن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمرنى وإياك أن نستكثر من قول : لا حول ولا قوة إلا بالله. فقالت : نعم ما أمرنا ، فجعلا يقولان ذلك ، فغفل العدو عن ابنه ، فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه عوف ، فنزلت الآية ... (١).
ثم قال ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ، إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٨ ص ١٥٩.