الموت. فالمنون : الدهر ، وريبه : حوادثه التي يصيبه بسببها الهلاك.
أى : بل أيقولون عنك ـ أيها الرسول الكريم ـ إنك شاعر ، وأنهم يترقبون موتك لكي يستريحوا منك. كما استراحوا من الشعراء الذين من قبلك ، كزهير والنابغة .. قل لهم على سبيل التبكيت والتهديد : تربصوا وترقبوا موتى فإنى معكم من المنتظرين ، وستعلمون أينا خير مقاما وأحسن عاقبة.
قال الآلوسى : (نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) أى : الدهر ، وهو فعول من المنّ بمعنى القطع ؛ لأنه يقطع الأعمال وغيرها ، ومنه حبل منين أى : مقطوع ، والريب : مصدر رابه إذا أقلقه ، أريد به حوادث الدهر وصروفه ، لأنها تقلق النفوس ، وعبر عنها بالمصدر مبالغة ... وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس ، تفسيره المنون بالموت.
روى أن قريشا اجتمعت في دار الندوة ، وكثرت آراؤهم فيه صلىاللهعليهوسلم حتى قال قائل منهم : تربصوا به ريب المنون ، فإنه شاعر سيهلك كما هلك زهير والنابغة والأعشى ، فافترقوا على هذه المقالة (١).
ثم وبخهم ـ سبحانه ـ على غفلتهم وعنادهم فقال : (أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلامُهُمْ بِهذا ، أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ).
والأحلام : جمع حلم ـ بكسر الحاء ـ والمراد بها هنا : العقول. وكان شيوخ قريش يدعون بذي الأحلام والنهى.
ويطلق الحلم في الأصل على ضبط النفس عن هيجان الغضب. وأطلق هنا على العقل لكونه منشأ له.
أى : بل أتأمرهم عقولهم التي زعموا سلامتها ، بأن يقولوا في شأنك ـ أيها الرسول الكريم ـ إنك شاعر أم مجنون؟
لا ، إن أى عقل سليم لم يأمرهم بذلك ، وإنما هم قوم دأبهم الطغيان والعناد وتجاوز الحدود التي لا يجوز تجاوزها.
والعقول إذا استعملت في الشرور والآثام ، ضاع رشدها ، وفقدت سلامتها.
ولقد قيل لعمرو بن العاص. رضى الله عنه ـ : ما بال قومك لم يؤمنوا وهم أصحاب الأحلام؟ فقال : تلك عقول كادها الله ـ تعالى ـ أى : لم يصحبها التوفيق والرشاد.
__________________
(١) تفسير الآلوسي ج ٢٧ ص ٣٦.