وقوله : (بَلْ لا يُوقِنُونَ) أى : هم ليسوا على يقين من أمرهم ، وإنما هم يخبطون خبط عشواء ، فهم مع اعترافهم بأن الله ـ تعالى ـ هو الذي خلقهم ، إلا أن هذا الاعتراف صار كالعدم ، لأنهم لم يعملوا بموجبه ، من إخلاص العبادة له ـ تعالى ـ والإيمان بالحق الذي جاءهم به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من عند خالقهم.
ثم قال ـ تعالى ـ : (أَمْ عِنْدَهُمْ خَزائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُونَ) أى : بل أعند هؤلاء الغافلين (خَزائِنُ رَبِّكَ) أى : مفاتيح أرزاقه ـ تعالى ـ لعباده ، ومقدراته لهم ، حتى يقسموها عليهم كما شاءوا ، أم هم المصيطرون على أحوال هذا الكون ، المتسلطون على مقدراته ، حتى لكأنهم أربابه المتغلبون عليه؟.
كلا لا شيء لهم من ذلك إطلاقا ، وإنما هم وغيرهم فقراء إلى رزق الله ـ تعالى ـ لهم (أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ ...) والسلم : هو ما يتوصل به إلى الأمكنة العالية.
أى : بل ألهم سلم يصعدون بواسطته إلى السماء ، ليستمعوا إلى وحينا وأمرنا ونهينا ..
إن كان أمرهم كذلك : (فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ) أى : فليأت من استمع منهم إلى شيء من كلامنا أو وحينا بحجة واضحة تدل على صدقه فيما ادعاه.
ومما لا شك فيه أنهم لا حجة لهم ، بل هم كاذبون إذا ما ادعوا ذلك ، لأن وحى الله ـ تعالى ـ خاص بأناس معينين ، ليسوا منهم قطعا.
(أَمْ لَهُ الْبَناتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ) أى : بل أيقولون إن لله ـ تعالى ـ البنات ولهم الذكور ، إن قولهم هذا من أكبر الأدلة على جهلهم وسوء أدبهم. لأن الله ـ تعالى ـ هو الخالق للنوعين ، وهو ـ سبحانه ـ (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ).
(أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) أى : بل أتسألهم أجرا على دعوتك إياهم إلى الحق ، فهم بسبب ذلك قد أثقلتهم الديون والمغارم ، فصاروا ينفرون من دعوتك؟ كلا إنك لم تطلب منهم شيئا من ذلك.
والمغرم : الدين الذي يكون على الإنسان ، فيثقل كاهله ، ويحزن نفسه.
(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) أى : بل أيزعمون أن عندهم علم الغيب فهم يكتبونه للناس ، ويطلعونهم عليه ..؟.
كلا إنهم لا علم لهم بشيء من الغيب ، لأن علم الغيب مرده إلى الله ـ تعالى ـ وحده ، كما