قال ـ سبحانه ـ : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً. إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ ...) (١).
(أَمْ يُرِيدُونَ كَيْداً ، فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ) أى : بل أيريدون بك ـ أيها الرسول الكريم ـ الكيد والأذى والهلاك ، إن كانوا يريدون بك ذلك فاعلم أن الذين كفروا بك وبدعوتك وأرادوا بك وبها الكيد والأذى ، هم المغلوبون الخاسرون الذين يحيق بهم كيدهم ويعود عليهم وباله.
فقوله : (الْمَكِيدُونَ) اسم مفعول من الكيد ، وهو المكر والخبث ...
وقد عاد عليهم وبال مكرهم فعلا ، فقد خرج صلىاللهعليهوسلم من بين جموعهم ليلة الهجرة ، دون أن يروه ، وكانوا محيطين بداره ليقتلوه ، وأحبط الله ـ تعالى ـ مكرهم.
(أَمْ لَهُمْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) أى : بل ألهم إله غير الله ـ تعالى ـ يرزقهم من فضله ، ويرعاهم بلطفه في جميع أطوار حياتهم.
كلا إنهم لا إله لهم سواه ـ تعالى ـ وتنزه ـ سبحانه ـ عن شركهم وكفرهم.
(وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) والكسف جمع كسفة وهي القطعة من الشيء ، والمركوم : المتراكم الذي تجمع بعضه فوق بعض.
أى : وإذا رأى هؤلاء الجاهلون قطعة عظيمة من العذاب نازلة عليهم لتهديدهم وزجرهم. قالوا : هذا النازل علينا سحاب متراكم ، قد اجتمع بعضه فوق بعض ليسقينا ، ولم يصدقوا أنه نذير عذاب شديد لهم. وهذا شأن الطغاة المعاندين ، وقد سبقهم إلى ذلك قوم عاد ، فإنهم حين رأوا العذاب مقبلا نحوهم قالوا (هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا) فرد الله ـ تعالى ـ عليهم بقوله (بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ).
هذا : والمتأمل في هذه الآيات الكريمة : يراها قد حملت على المشركين حملة شديدة ، حيث وبختهم على جهالاتهم ، وتحدتهم بأسلوب تعجيزى أن يأتوا بمثل القرآن الكريم ، وتهكمت بهم وبعقولهم الفارغة التي انقادوا لها بدون تفكر أو تدبر ، وبينت أنهم قوم متناقضون مع أنفسهم ، لأنهم يقرون أن الله ـ تعالى ـ هو الخالق لهم ولغيرهم ، ومع ذلك فهم يعبدون غيره. وينسبون البنات إليه دون البنين ...
وقد ذكر بعض المفسرين أن ما أصابهم من هزيمة يوم بدر ، كان في السنة الخامسة عشرة من
__________________
(١) سورة الجن الآيتان ٢٦ ، ٢٧.