والمعنى : أن جبريل ـ عليهالسلام ـ بعد أن كان بالجهة العليا من السماء ، ثم قرب من النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم زاد في القرب ، حتى كان على مقدار مسافة قوسين منه صلىاللهعليهوسلم أو أقرب من ذلك.
قال صاحب الكشاف : قوله : (قابَ قَوْسَيْنِ) مقدار قوسين عربيتين ، والقاب والقيب ، والقاد والقيد ، المقدار ... وقد جاء التقدير بالقوس ، والرمح ، والسوط ، والذراع ، والباع ، والخطوة والشبر ... ومنه الحديث الشريف : «لقاب قوس أحدكم من الجنة ، وموضع قده ، خير من الدنيا وما فيها» والقد السوط ...
فإن قلت : كيف تقدير قوله : (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ) ، قلت : تقديره فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين ، فحذفت هذه المضافات .. (١).
و «أو» في قوله : (أَوْ أَدْنى) للشك ، ولكن هذا الشك من جهة العباد ، أى : أن الرائي إذا رأى هذا الوضع قال : هو قاب قوسين أو أقرب من ذلك ، ويصح أن تكون بمعنى «بل».
قال الجمل : قوله : (أَوْ أَدْنى) هذه الآية كقوله : (وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ) لأن المعنى : فكان ـ جبريل ـ بأحد هذين المقدارين في رأى الرائي. أى : لتقارب ما بينهما يشك الرائي في ذلك.
وأدنى : أفعل تفضيل. والمفضل عليه محذوف. أى : أو أدنى من قاب قوسين.
ويصح أن تكون بمعنى بل ، أى : بل هو أدنى .. (٢).
وقوله : (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) أى : فأوحى جبريل ـ عليهالسلام ـ ، إلى عبد الله ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ما أوحى من قرآن كريم ، ومن هدى حكيم.
فالضمير في قوله : (فَأَوْحى) أى : جبريل ، لأن الحديث في شأنه ، وإيحاؤه إنما هو بأمر الله ـ تعالى ـ ومشيئته ، ويرى بعضهم أنه يعود إلى الله ـ تعالى ـ.
قال الآلوسى : قوله : (فَأَوْحى) أى : جبريل (إِلى عَبْدِهِ) أى : عبد الله ، وهو النبي صلىاللهعليهوسلم ، والإضمار ـ ولم يجر له ـ تعالى ـ ذكر ، لكونه في غاية الظهور ، ومثله كثير في الكلام ، ومنه : (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ ...).
(ما أَوْحى) أى : الذي أوحاه ، والضمير المستتر لجبريل ـ أيضا ـ.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٢٩.
(٢) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٢٢٥.