لينالوا رضاه عنهم يوم القيامة ، وليكونوا أهلا للحصول على الشفاعة التي يبغونها.
ثم عادت السورة إلى ذم الكافرين الذين وصفوا الملائكة بصفات لا تليق بهم. فقال ـ تعالى ـ : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) وما فيها من حساب وجزاء وثواب وعقاب ... (لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) ، أى : ليصفون الملائكة بوصف الإناث فيقولون : الملائكة بنات الله كما قال ـ تعالى ـ : (وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ ، سَتُكْتَبُ شَهادَتُهُمْ وَيُسْئَلُونَ) (١).
ولفظ : «الملائكة» هنا في معنى استغراق كل فرد ، أى : ليسمون كل واحد منهم ويصفونه بصفة الأنوثة.
وقوله ـ سبحانه : (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ، إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ...) رد عليهم فيما قالوه ، وتجهيل لهم فيما زعموه ، والجملة حال من ضمير «ليسمون».
أى : إنهم ليصفون الملائكة بالأنوثة ، والحال أنهم لا علم لهم بتكوين هؤلاء الملائكة ، أو بصفتهم .. وإنما يتبعون الظن الباطل في أقوالهم وأحكامهم ..
(.. وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) أى : وإن الظن الباطل ، والاعتقاد الخاطئ لا يغنى في معرفة الحق شيئا ، حتى ولو كان هذا الشيء قليلا ، لأن العقائد السليمة ، لا تبنى على الظنون والأوهام ، وإنما تبنى على الحقائق الراسخة والعلوم الثابتة.
وأظهر ـ سبحانه ـ لفظ الظن هنا ، مع تقدم ذكره لتكون الجملة مستقلة بنفسها ، ولتكون ـ أيضا ـ بمثابة المثل الذي يقال في الموضع الذي يناسبه.
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة ، قد وبخت المشركين على شركهم بأسلوب منطقي سليم ، حيث ساقت لهم الحقائق في أسلوب يغلب عليه طابع الموازنة والمقارنة ، والاستشهاد بالواقع ، ووضع أيديهم على أماكن الدواء ، لو كانوا ممن يريدونه ، ويبحثون عنه.
وبعد هذا البيان الحكيم الذي يحق الحق ، ويبطل الباطل ، أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يمضى في طريقه الذي رسمه ـ سبحانه ـ له ، وأن يترك حساب هؤلاء الضالين لله ـ تعالى ـ الذي يجازى كل نفس بما كسبت ، والذي يعلم السر وأخفى ، والذي رحمته وسعت كل شيء ... فقال ـ تعالى ـ :
__________________
(١) سورة الزخرف الآية ١٩.