(فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (٣٢)
والفاء في قوله : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) للإفصاح ..
وأصل الإعراض : لفت الوجه عن الشيء ، لأن الكاره لشيء يعرض بصفحة خده عنه.
والمراد به هنا : ترك هؤلاء المشركين ، وعدم الحرص على إيمانهم ، بعد أن وصلتهم دعوة الحق ... أى : إذا كان الأمر كما ذكرنا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ من أن هؤلاء المشركين ، ما يتبعون في عقائدهم إلا الظن الباطل ، وإلا ما تشتهيه أنفسهم ..
فاترك مجادلتهم ولا تهتم بهم ، بعد أن بلغتهم رسالة ربك ... فإنهم قوم قد أصروا على عنادهم. وعلى الإدبار عن وحينا وقرآننا الذي أنزلناه إليك ، ولم يريدوا من حياتهم إلا التشبع من زينة الحياة الدنيا ، ومن شهواتها ومتعها ..
ومن كان كذلك فلن تستطيع أن تهديه ، لأنه آثر الغي على الرشد ، والضلالة على الهداية. وجيء بالاسم الظاهر في مقام الإضمار ، فقيل : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا) ولم يقل : فأعرض عنهم .. لبيان ما تؤذن به صلة الموصول من علة الأمر بالإعراض عنهم ، وهي أنهم قوم أعرضوا عن الوحى ، ولم يريدوا سوى متع دنياهم ، وأما ما يتعلق بالآخرة فهم في غفلة عنه.
وقوله : (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ) تسلية له صلىاللهعليهوسلم عما أصابه منهم ، وتحقير لهم