فقوله : (أَقْنى) من القنية بمعنى الادخار للشيء ، والمحافظة عليه.
قال الآلوسى : قوله : (وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنى وَأَقْنى) أى : وأعطى القنية وهو ما يبقى ويدوم من الأموال ، ببقاء نفسه ، كالرياض والحيوان والبناء.
وأفرد ـ سبحانه ـ ذلك بالذكر مع دخوله في (أَغْنى) لأن القنية أنفس الأموال وأشرفها ..
وإنما لم يذكر المفعول ، لأن القصد إلى الفعل نفسه .. (١).
وقوله : (وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرى) أى : وأنه ـ سبحانه ـ هو رب ذلك الكوكب المضيء ، الذي يطلع بعد الجوزاء في شدة الحر ، ويسمى الشعرى اليمانية.
وخص هذا النجم بالذكر ، مع أنه ـ تعالى ـ هو رب كل شيء لأن بعض العرب كانوا يعبدون هذا الكوكب ، فأخبرهم ـ سبحانه ـ بأن هذا الكوكب مربوب له ـ تعالى ـ وليس ربا كما يزعمون.
قال القرطبي : واختلف فيمن كان يعبده : فقال السدى : كانت تعبده حمير وخزاعة. وقال غيره : أول من عبده رجل يقال له أبو كبشة ، أحد أجداد النبي صلىاللهعليهوسلم من جهة أمهاته ، ولذلك كان مشركو قريش يسمون النبي صلىاللهعليهوسلم ابن أبى كبشة. حين دعاهم إلى ما يخالف دينهم .. (٢).
وبعد هذه الجولة في الأنفس والآفاق ، ساقت السورة جانبا من مصارع الغابرين ، فقال ـ تعالى ـ : (وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عاداً الْأُولى. وَثَمُودَ فَما أَبْقى. وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى. وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوى). أى : وأنه ـ تعالى ـ هو الذي أهلك بقدرته قبيلة عاد الأولى ، وهم قوم هود ـ عليهالسلام ـ.
وسميت قبيلة عاد بالأولى ، لتقدمها في الزمان على قبيلة عاد الثانية ، التي هي قوم صالح ـ عليهالسلام ـ ، وتسمى ـ أيضا ـ بثمود.
وقوله : (وَثَمُودَ) معطوف على عاد. أى : وأنه أهلك ـ أيضا ـ قبيلة ثمود ، دون أن يبقى منهم أحدا.
وهلاك هاتين القبيلتين قد جاء في آيات كثيرة منها قوله ـ تعالى ـ : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ. فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ. وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٦٩.
(٢) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ١١٩.