وقوله : (وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ ...) أى : وأهلك ـ أيضا ـ قوم نوح من قبل إهلاكه لعاد وثمود ..
(إِنَّهُمْ كانُوا) أى : قوم نوح (هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغى) أى : هم كانوا أشد في الظلم والطغيان من عاد وثمود ، فقد آذوا نوحا ـ عليهالسلام ـ أذى شديدا ، استمر صابرا عليه زمنا طويلا. وكان هلاكهم بالطوفان ، كما قال ـ تعالى ـ : (فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ).
وقدم قبيلتي عاد وثمود في الذكر على قوم نوح ـ مع أن قوم نوح أسبق ـ لأن هاتين القبيلتين كانتا مشهورتين عند العرب أكثر ، وديارهم معروفة لهم.
والمراد بالمؤتفكات قوم لوط ـ عليهالسلام ـ ، وسموا بذلك لأن قريتهم ائتفكت بأهلها ، أى : انقلبت رأسا على عقب. يقال : أفكه عن كذا يأفكه إذا قلبه وصرفه. ومنه الإفك ، لأنه قلب للحق عن وجهه الصحيح.
أى : وأهلك ـ سبحانه ـ القرى المؤتفكة بأهلها ، بأن أهوى بها جبريل ـ عليهالسلام ـ إلى الأرض بعد أن رفعها إلى السماء (فَغَشَّاها ما غَشَّى) أى : فأصابها ما أصابها من العذاب المهين ، والدمار الشامل ، كما قال ـ تعالى ـ : (جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ. مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ ، وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) (١).
ويجوز أن يكون الضمير في (فَغَشَّاها) يعود إلى جميع الأمم المذكورة ، وأبهم ـ سبحانه ـ ما غشيهم من عذاب ، للتهويل والتعميم.
وقوله ـ سبحانه ـ (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمارى) تذكير بنعم الله ـ تعالى ـ بعد التحذير من نقمة. أى : فبأى نعمة من نعم الله ـ تعالى ـ تتشكك أيها الإنسان.
والآلاء : جمع إلى ، وأى : اسم استفهام المقصود به التذكير بهذه النعم.
وسمى ـ سبحانه ـ ما مر في آيات السورة نعما ، مع أن فيها النعم والنقم ، لأن في النقم عظات للمتعظين ، وعبرا للمعتبرين ، فهي نعم بهذا الاعتبار.
ثم ختم ـ سبحانه ـ السورة الكريمة بهذا الإنذار الشديد ، فقال ـ تعالى ـ : (هذا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولى) والنذير بمعنى المنذر ، وهو من يخبر غيره بخبر فيه مضرة به ، لكي يحذره. أى : هذا الرسول الكريم ، وما جاء به من قرآن حكيم ، نذير لكم ـ أيها الناس ـ من جنس الإنذارات الأولى. التي أتى بها الأنبياء السابقون لأممهم فاحذروا مخالفة رسولنا
__________________
(١) سورة هود الآيتان ٨٢ ، ٨٣.