فقالوا : إن كان سحرنا فإنه لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم.
وروى الشيخان عن ابن مسعود قال : انشق القمر على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم شقتين ، حتى نظروا إليه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «اشهدوا» (١).
وقال الآلوسى : بعد أن ذكر عددا من الأحاديث في هذا الشأن : والأحاديث الصحيحة في الانشقاق كثيرة ، واختلف في تواتره ، فقيل : هو غير متواتر : وفي شرح المواقف أنه متواتر. وهو الذي اختاره العلامة السبكى ، فقد قال : الصحيح عندي أن انشقاق القمر متواتر ، منصوص عليه في القرآن ، مروى في الصحيحين وغيرهما من طرق شتى ، لا يمترى في تواتره.
وقد جاءت أحاديثه في روايات صحيحة ، عن جماعة من الصحابة ، منهم على بن أبى طالب ، وأنس ، وابن مسعود ..
ثم قال ـ رحمهالله ـ بعد أن ذكر شبهات المنكرين لحادث الانشقاق : والحاصل أنه ليس عند المنكر سوى الاستبعاد ، ولا يستطيع أن يأتى بدليل على الاستحالة الذاتية ولو انشق ، والاستبعاد في مثل هذه المقامات قريب من الجنون. عند من له عقل سليم (٢).
ثم بين ـ سبحانه ـ موقف هؤلاء المشركين من معجزاته صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ).
أى : وإن ير هؤلاء المشركون آية ومعجزة تدل على صدقك ـ أيها الرسول الكريم ـ يعرضوا عنها جحودا وعنادا. ويقولوا ـ على سبيل التكذيب لك ـ ما هذا الذي أتيتنا به يا محمد إلا سحر مستمر ، أى : سحر دائم نعرفه عنك ، وليس جديدا علينا منك.
قال صاحب الكشاف : (مُسْتَمِرٌّ) أى دائم مطرد ، وكل شيء قد انقادت طريقته ، ودامت حاله ، قيل فيه قد استمر ، لأنهم لما رأوا تتابع المعجزات ، وترادف الآيات. قالوا : «هذا سحر مستمر».
وقيل : مستمر ، أى : قوى محكم ـ من المرّة بمعنى القوة ـ ، وقيل : هو من استمر الشيء إذا اشتدت مرارته ، أى : مستبشع عندنا مرّ على لهواتنا ، لا نقدر أن نسيغه كما لا يساغ الشيء المر. وقيل : مستمر ، أى : مار ذاهب زائل عما قريب ـ من قولهم : مرّ الشيء واستمر إذا ذهب (٣).
__________________
(١) راجع تفسير ابن كثير ج ٤ ص ٢٦١.
(٢) راجع تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٧٦.
(٣) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٣٦.