ثم أخبر ـ سبحانه ـ عن حالهم في الماضي ، بعد بيان حالهم في المستقبل ، فقال ـ تعالى ـ : (وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ).
أى : أن هؤلاء الجاحدين جمعوا كل الرذائل ، فهم إن يروا معجزة تشهد لك بالصدق ـ أيها الرسول الكريم ـ يعرضوا عنها ، ويصفوها بأنها سحر ، وهم في ماضيهم كذبوا دعوتك ، واتبعوا أهواءهم الفاسدة ، ونفوسهم الأمارة بالسوء.
وجملة : (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) معترضة ، وهي جارية مجرى المثل ، أى : وكل أمر لا بد وأن يستقر إلى غاية ، وينتهى إلى نهاية ، وكذلك أمر هؤلاء الظالمين ، سينتهي إلى الخسران ، وأمر المؤمنين سينتهي إلى الفلاح.
وفي هذا الاعتراض تسلية وتبشير للنبي صلىاللهعليهوسلم ولأصحابه بحسن العاقبة ، وتيئيس وإقناط لأولئك المشركين من زوال أمر النبي صلىاللهعليهوسلم كما كانوا يتمنون ويتوهمون.
وشبيه بهذه الآية قوله ـ تعالى ـ : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
ثم بين ـ سبحانه ـ أنهم قوم لا تتأثر قلوبهم بالمواعظ والنذر ، فقال : (وَلَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ ، حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ).
والأنباء : جمع نبأ وهو الخبر المشتمل على أمور هامة ، من شأنها أن يتأثر بها السامع.
ومزدجر : مصدر ميمى ، وأصله مزتجر. فأبدلت تاء الافتعال دالا ، وأصله من الزجر. بمعنى المنع والانتهار. أى : ولقد جاء لهؤلاء المشركين في القرآن الكريم ، من الأنباء الهامة ، ومن أخبار الأمم البائدة ، ما فيه ازدجار وانتهار لهم عن الارتكاس في القبائح وعن الإصرار على الفسوق والكفر والعصيان.
و «ما» في قوله ـ سبحانه ـ : (ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ) موصولة ، وهي فاعل لقوله (جاءَهُمْ) ، وقوله (مِنَ الْأَنْباءِ) في موضع الحال منها ..
وقوله ـ تعالى ـ : (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) بدل من «ما» أو خبر لمبتدأ محذوف.
والحكمة : العلم النافع الذي يترتب عليه تحرى الصواب في القول والفعل.
أى : هذا الذي جاءهم من أنباء الماضين ، ومن أخبار السابقين فيه ما فيه عن الحكم البليغة ، والعظات الواضحة التي لا خلل فيها ولا اضطراب.
و «ما» في قوله : (فَما تُغْنِ النُّذُرُ) نافية ، والنذر : جمع نذير بمعنى منذر.
أى : لقد جاء إلى هؤلاء المشركين من الأخبار ومن الحكم البليغة ما يزجرهم عن ارتكاب