الشرور ، وما فيه إنذار لهم بسوء العاقبة إذا ما استمروا في غيهم ، ولكن كل ذلك لا غناء فيه ، ولا نفع من ورائه لهؤلاء الجاحدين المعاندين الذين عموا وصموا ...
ويصح أن تكون «ما» هنا ، للاستفهام الإنكارى. أى : ما الذي تغنيه النذر بالنسبة لهؤلاء المصرين على الكفر؟ إنها لا تغنى شيئا ما داموا لم يفتحوا قلوبهم للحق :
والفاء في قوله ـ تعالى ـ : (فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ) للتفريع على ما تقدم ، وهي تفيد السببية.
وقوله : (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) ظرف لقوله : (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ) والداع : هو إسرافيل ـ عليهالسلام ـ الذي ينفخ في الصور بأمر الله ـ تعالى ـ.
والمراد بالنكر : الأمر الفظيع الهائل ، الذي لم تألفه النفوس ، ولم تر له مثيلا في الشدة.
أى : إذا كان هذا حالهم من عدم إغناء النذر فيهم ، فتول عنهم ـ أيها الرسول الكريم ـ ، ولا تبال بهم ، واتركهم في طغيانهم يعمهون ، وانتظر عليهم إلى اليوم الذي يدعوهم فيه الداعي ، إلى أمر فظيع عظيم ، تنكره النفوس ، لعدم عهدهم بمثله ، وهو يوم البعث والنشور.
قال الجمل : وقوله : (يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ) منصوب إما باذكر مضمرا .. وإما بيخرجون ..
وحذفت الواو من «يدع» لفظا لالتقاء الساكنين ، ورسما تبعا للفظ ، وحذفت الياء من (الدَّاعِ) للتخفيف ... والداع هو إسرافيل .. (١).
وقوله : (خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ) حال من الفاعل في قوله : (يَخْرُجُونَ ...) : أى : ذليلة أبصارهم بحيث تنظر إلى ما أمامها من أهوال نظرة البائس الذليل ، الذي لا يستطيع أن يحقق نظره فيما ينظر إليه.
قال القرطبي : الخشوع في البصر : الخضوع والذلة. وأضاف ـ سبحانه ـ الخشوع إلى الأبصار ، لأن أثر العز والذل يتبين في ناظر الإنسان.
قال ـ تعالى ـ : (أَبْصارُها خاشِعَةٌ) وقال ـ تعالى ـ : (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ ...).
ويقال : خشع واختشع إذا ذل. وخشع ببصره إذا غضه ..
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٢٤٢.