وقرأ حمزة والكسائي : خاشعا أبصارهم .. (١).
وقوله : (يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ) أى : يخرجون من القبور ، وعيونهم ذليلة من شدة الهول ، وأجسادهم تملأ الآفاق ، حتى لكأنهم جراد منتشر ، قد سد الجهات. واستتر بعضه ببعض.
فالمقصود بالجملة الكريمة تشبيههم بالجراد في الكثرة والتموج ، والاكتظاظ والانتشار في الأقطار وهم يسرعون الخطا نحو أرض المحشر.
وقوله : (مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ) أى : مسرعين نحوه ، وقد مدوا أعناقهم إلى الإمام ، مأخوذ من الإهطاع ، وهو الإسراع في المشي مع مد العنق إلى الإمام. يقال : أهطع فلان في جريه ، إذا أسرع فيه من الخوف ، فهو مهطع.
(يَقُولُ الْكافِرُونَ) وقد رأوا من أهوال يوم القيامة ما يدهشهم : (هذا يَوْمٌ عَسِرٌ) أى : يقولون هذا يوم صعب شديد ، بسبب ما يعاينون من أهواله ويتوقعون فيه من سوء العاقبة.
والمتأمل في هذه الآيات الكريمة ، يراها قد وصفت أحوال الكافرين في هذا اليوم ، وصفا تقشعر من هوله الأبدان .. فهم أذلاء ضعفاء ينظرون إلى ما يحيط بهم نظرة الخائف المفتضح ، وهم في حالة خروجهم من قبورهم كأنهم الجراد المنتشر ، في الكثرة والتموج والاضطراب ، وهم يسرعون نحو الداعي بذعر دون أن يلووا على شيء ، ودون أن يكون في إمكانهم المخالفة أو التأخر عن دعوته.
ثم هم بعد ذلك يقولون على سبيل التحسر والتفجع : هذا يوم شديد الصعوبة والعسر.
ثم عرضت السورة بعد ذلك جانبا من مصارع الغابرين ، لعل في هذا العرض ما يروعهم عن الكفر والجحود ، وما يحملهم على انتهاج طريق الحق والهدى ، فقال ـ تعالى ـ :
(كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ (١١)
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٧ ص ١٢٩.