وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (١٧)
وقصة نوح ـ عليهالسلام ـ مع قومه ، قد وردت بصورة أكثر تفصيلا في سور أخرى. كسورة هود ، والمؤمنون ، ونوح ، والأعراف.
ولكنها جاءت هنا ـ كغيرها من القصص ـ بصورة حاسمة قاصمة ، تزلزل النفوس ، وتفتح العيون على مصارع الغابرين ، لكي يعتبر الكافرون ، وينتهوا عن كفرهم.
قال الآلوسى : قوله : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ ...) شروع في تعداد بعض ما ذكر من الأنباء الموجبة للانزجار ، ونوع تفصيل لها ، وبيان لعدم تأثرهم بها ، تقريرا لفحوى قوله : (فَما تُغْنِ النُّذُرُ).
والفعل «كذبت» منزل منزلة اللازم. أى : فعل التكذيب قبل قومك قوم نوح .. (١).
وفي هذه الجملة الكريمة تسلية الرسول صلىاللهعليهوسلم لأن المصيبة إذا عمت خفت ، وشبيه بهذه الآية قوله ـ سبحانه ـ : (وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ ...).
وأسند ـ سبحانه ـ التكذيب إلى جميع قوم نوح ـ عليهالسلام ـ. لأن الذين آمنوا به منهم عدد قليل ، كما قال ـ تعالى ـ : في سورة هود : (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ).
وقوله ـ تعالى ـ : (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) تأكيد لتكذيبهم له ـ عليهالسلام ـ ، فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : إن قوم نوح ـ عليهالسلام ـ قد أصروا على تكذيبهم لعبدنا ونبينا ، وتواصوا بهذا التكذيب فيما بينهم ، حتى لكأن الكبار قد أوصوا به الصغار.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى قوله : (فَكَذَّبُوا عَبْدَنا) بعد قوله : (كَذَّبَتْ)؟ قلت معناه : كذبوا فكذبوا عبدنا. أى : كذبوه تكذيبا على عقب تكذيب ، كلما مضى منهم قرن مكذب ، تبعهم قرن مكذب.
أو معناه : كذبت قوم نوح الرسل ، فكذبوا عبدنا ، أى : لما كانوا مكذبين بالرسل ،
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٧ ص ٨١.