(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (٤٢))
لما أمر الله سبحانه بالقتال بقوله : (وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) وكانت المقاتلة مظنّة حصول الغنيمة ذكر حكم الغنيمة ، والغنيمة قد قدّمنا أنّ أصلها : إصابة الغنم من العدوّ ، ثم استعملت في كلّ ما يصاب منهم ، وقد تستعمل في كلّ ما ينال بسعي ، ومنه قول الشاعر :
وقد طوّفت في الآفاق حتّى |
|
رضيت من الغنيمة بالإياب |
ومثله قول الآخر :
ومطعم الغنم يوم الغنم مطعمه |
|
أنّى توجّه والمحروم محروم |
وأما معنى الغنيمة في الشرع ، فحكى القرطبي الاتفاق على أنّ المراد بقوله تعالى : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) : مال الكفار إذا ظفر بهم المسلمون على وجه الغلبة والقهر. قال : ولا تقتضي اللغة هذا التخصيص ، ولكن عرف الشرع قيد اللفظ بهذا النوع. وقد ادّعى ابن عبد البر الإجماع على هذه الآية بعد قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) وأن أربعة أخماس الغنيمة مقسومة على الغانمين ، وأن قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) نزلت حين تشاجر أهل بدر في غنائم بدر ، على ما تقدّم أوّل السورة ؛ وقيل إنها أعني قوله : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) محكمة غير منسوخة ، وأنّ الغنيمة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وليست مقسومة بين الغانمين وكذلك لمن بعده من الأئمة ، حكاه الماوردي عن كثير من المالكية ، قالوا : وللإمام أن يخرجها عنهم ، واحتجّوا بفتح مكة وقصّة حنين ، وكان أبو عبيدة يقول : افتتح رسول الله صلىاللهعليهوسلم مكة عنوة ومنّ على أهلها فردّها عليهم ولم يقسمها ولم يجعلها فيئا ، وقد حكى الإجماع جماعة من أهل العلم على أنّ أربعة أخماس الغنيمة للغانمين ، وممّن حكى ذلك ابن المنذر وابن عبد البرّ والداودي والمازري والقاضي عياض وابن العربي ، والأحاديث الواردة في قسمة الغنيمة بين الغانمين وكيفيتها كثيرة جدا. قال القرطبي : ولم يقل أحد فيما أعلم أن قوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ) الآية ناسخ لقوله : (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) الآية ، بل قال الجمهور : إن قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) ناسخ ، وهم الذين لا يجوز عليهم التّحريف ولا التّبديل لكتاب الله. وأما قصّة فتح مكة فلا حجّة فيها لاختلاف العلماء في فتحها ، قال : وأما قصّة حنين فقد عوّض الأنصار لما قالوا : تعطي الغنائم قريشا وتتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم نفسه ، فقال لهم : «أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى بيوتكم» كما في مسلم وغيره ، وليس لغيره أن يقول هذا القول ، بل