إذا هبّت رياحك فاغتنمها |
|
فعقبى كلّ خافقة سكون |
وقيل : المراد بالريح : ريح الصبا ، لأنّ بها كان ينصر النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم أمرهم بالصّبر على شدائد الحرب ، وأخبرهم بأنه مع الصابرين في كل أمر ينبغي الصبر فيه ، ويا حبذا هذه المعية التي لا يغلب من رزقها غالب ، ولا يؤتى صاحبها من جهة من الجهات ، وإن كانت كثيرة ، ثم نهاهم عن أن تكون حالتهم كحالة هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء النّاس ، وهم قريش ، فإنهم خرجوا يوم بدر ليحفظوا العير التي مع أبي سفيان ، ومعهم القيان والمعازف ، فلما بلغوا الجحفة ، بلغهم أن العير قد نجت وسلمت ، فلم يرجعوا ، بل قالوا : لا بدّ لهم من الوصول إلى بدر ، ليشربوا الخمر ، وتغني لهم القيان ، وتسمع العرب بمخرجهم ، فكان ذلك منهم بطرا وأشرا وطلبا للثناء من الناس ، وللتمدح إليهم ، والفخر عندهم ، وهو الرياء ؛ قيل : والبطر في اللغة : التقوّي بنعم الله على معاصيه ، وهو مصدر في موضع الحال ، أي : خرجوا بطرين مرائين ؛ وقيل : هو مفعول له ، وكذا ، رياء ، أي : خرجوا للبطر والرياء. وقوله : (وَيَصُدُّونَ) معطوف على بطرا ، والمعنى كما تقدّم ، أي : خرجوا بطرين مرائين صادّين عن سبيل الله ، أو للصدّ عن سبيل الله. والصدّ : إضلال الناس ، والحيلولة بينهم وبين طرق الهداية. ويجوز أن يكون ويصدّون : معطوفا على يخرجون ، والمعنى : يجمعون بين الخروج على تلك الصفة والصدّ (وَاللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) لا تخفى عليه من أعمالهم خافية فهو مجازيهم عليها. قوله : (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) الظرف متعلق بمحذوف ، أي : واذكر يا محمد وقت تزيين الشيطان لهم أعمالهم ، والتزيين : التحسين ، وقد روي : أن الشيطان تمثل لهم وقال لهم تلك المقالة وهي (لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ) أي : مجير لكم من كل عدوّ ، أو من بني كنانة ، ومعنى الجار هنا : الدافع عن صاحبه أنواع الضرر كما يدفع الجار عن الجار ، وكان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم ، وهو من بني بكر بن كنانة ، وكانت قريش تخاف من بني بكر أن يأتوهم من ورائهم ؛ وقيل المعنى : إنه ألقى في روعهم هذه المقالة ، وخيل إليهم أنهم لا يغلبون ولا يطاقون (فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ) أي : فئة المسلمين والمشركين (نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ) أي : رجع القهقرى ، ومنه قول الشاعر :
ليس النّكوص على الأعقاب مكرمة |
|
إنّ المكارم إقدام على الأسل |
وقول الآخر :
وما ينفع المستأخرين نكوصهم |
|
ولا ضرّ أهل السّابقات التّقدّم |
وقيل : معنى نكص هاهنا : بطل كيده وذهب ما خيله (وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ) أي : تبرأ منهم لما رأى أمارات النصر مع المسلمين بإمداد الله لهم بالملائكة ، ثم علل ذلك بقوله : (إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ) يعني : الملائكة ، ثم علل بعلة أخرى فقال : (إِنِّي أَخافُ اللهَ) قيل : خاف أن يصاب بمكروه من الملائكة الذين حضروا الوقعة ؛ وقيل إن دعوى الخوف كذب منه ، ولكنه رأى أنه لا قوّة له ولا للمشركين فاعتلّ بذلك ، وجملة (وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ) يحتمل أن تكون من تمام كلام إبليس ، ويحتمل أن تكون كلاما