يجدون طالبهم عاجزا عن إدراكهم. وقرأ ابن عامر : أنهم ، بفتح الهمزة ، والباقون بكسرها ، وكلا القراءتين مفيدة لكون الجملة تعليلية ؛ وقيل : المراد بهذه الآية : من أفلت من وقعة بدر من المشركين. والمعنى : أنهم وإن أفلتوا من هذه الوقعة ، ونجوا فإنهم لا يعجزون ، بل هم واقعون في عذاب الله في الدنيا أو في الآخرة. وقد زعم جماعة من النحويين منهم أبو حاتم أن قراءة من قرأ يحسبنّ بالتحتية لحن ، لا تحلّ القراءة بها ، لأنه لم يأت ليحسبنّ بمفعول ، وهو يحتاج إلى مفعولين. قال النحّاس : وهذا تحامل شديد. ومعنى هذه القراءة : ولا يحسبنّ من خلفهم الذين كفروا سبقوا ، فيكون الضمير يعود على ما تقدّم إلا أن القراءة بالتاء أبين. وقال المهدوي : يجوز على هذه القراءة أن يكون الذين كفروا فاعلا ، والمفعول الأوّل محذوف. والمعنى ولا يحسبنّ الذين كفروا أنفسهم سبقوا. قال مكي : ويجوز أن يضمر مع (سَبَقُوا) أن فتسدّ مسد المفعولين ، والتقدير : ولا يحسبنّ الذين كفروا أن سبقوا ، فهو مثل (أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا) (١) في سدّ أن مسدّ المفعولين ، ثم أمر سبحانه بإعداد القوّة للأعداء ، والقوّة : كل ما يتقوّى به في الحرب ، ومن ذلك السلاح والقسيّ. وقد ثبت في صحيح مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو على المنبر يقول «وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوة ، ألا إنّ القوّة الرمي ، قالها ثلاث مرات» وقيل : هي الحصون ، والمصير إلى التفسير الثابت عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم متعين. قوله : (وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ). قرأ الحسن وعمرو بن دينار وأبو حيوة ومن ربط الخيل بضم الراء والباء ، ككتب : جمع كتاب. قال أبو حاتم : الرباط من الخيل : الخمس فما فوقها ، وهي الخيل التي ترتبط بإزاء العدو ، ومنه قول الشاعر :
أمر الإله بربطها لعدوّه |
|
في الحرب إنّ الله خير موفّق |
قال في الكشاف : والرباط : اسم للخيل التي تربط في سبيل الله ، ويجوز أن يسمّى بالرباط الذي هو بمعنى المرابطة ، ويجوز أن يكون جمع ربيط ، كفصيل وفصال ، انتهى. ومن فسر القوّة بكل ما يتقوّى به في الحرب جعل عطف الخيل من عطف الخاص على العام ، وجملة (تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ) في محل نصب على الحال ، الترهيب : التخويف ، والضمير في به عائد إلى (مَا) في (مَا اسْتَطَعْتُمْ) أو إلى المصدر المفهوم من (وَأَعِدُّوا) وهو الإعداد. والمراد بعدوّ الله وعدوّهم : هم المشركون من أهل مكة ، وغيرهم من مشركي العرب. قوله (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ) معطوف على عدوّ الله وعدوّكم ، ومعنى من دونهم : من غيرهم ؛ قيل : هم اليهود ، وقيل فارس والروم ، وقيل : الجن ورجحه ابن جرير. وقيل : المراد بالآخرين من غيرهم ، كل من لا تعرف عداوته ، قاله السهيلي. وقيل : هم بنو قريظة خاصة ، وقيل : غير ذلك ، والأولى : الوقف في تعيينهم لقوله (لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ). قوله (وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي : في الجهاد ، وإن كان يسيرا حقيرا (يُوَفَّ إِلَيْكُمْ) جزاؤه في الآخرة. فالحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة كما قرّرناه سابقا (وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) في شيء من هذه النفقة التي تنفقونها في سبيل الله ، أي : من ثوابها بل يصير ذلك إليكم وافيا وافرا كاملا (وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) (٢) (أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ) (٣).
__________________
(١). العنكبوت : ٢.
(٢). النساء : ٤٠.
(٣). آل عمران : ١٩٥.