كان حقّا على المؤمنين الذين آووا ونصروا إذا استنصروهم في الدّين أن ينصروهم إن قوتلوا إلا أن يستنصروا على قوم بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوسلم ميثاق ، فلا نصر لهم عليهم إلا على العدوّ الذي لا ميثاق لهم ، ثم أنزل الله بعد ذلك أن ألحق كلّ ذي رحم برحمه من المؤمنين الذين آمنوا (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا) فجعل لكلّ إنسان من المؤمنين نصيبا مفروضا لقوله (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) الآية ، وفي رواية لابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله (أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) قال : يعني في الميراث ، جعل الله الميراث للمهاجرين والأنصار دون الأرحام (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهاجِرُوا ما لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) ما لكم من ميراثهم من شيء (حَتَّى يُهاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ) يعني : إن استنصر الأعراب المسلمون المهاجرين والأنصار ، على عدوّ لهم ، فعليهم أن ينصروهم ، إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ، فكانوا يعملون على ذلك حتى أنزل الله هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) فنسخت الآية التي قبلها ، وصارت المواريث لذوي الأرحام. وأخرج أبو عبيد وأبو داود وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في هذه الآيات قال : كان المهاجر لا يتولى الأعرابي ولا يرثه وهو مؤمن ، ولا يرث الأعرابي المهاجر ، فنسختها هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عنه أيضا : قال رجل من المسلمين : لنورثن ذوي القربى منا من المشركين ، فنزلت (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسادٌ كَبِيرٌ). وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «المهاجرون بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة ، والطّلقاء من قريش ، والعتقاء من ثقيف بعضهم أولياء بعض في الدنيا والآخرة». وأخرج الحاكم وصحّحه ، وابن مردويه عن أسامة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا يتوارث أهل ملّتين ، ولا يرث مسلم كافرا ، ولا كافر مسلما ، ثم قرأ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) الآية». وأخرج ابن سعد وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن الزبير بن العوام قال : أنزل الله فينا خاصة معشر قريش (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) وذلك أنا معشر قريش لما قدمنا المدينة قدمنا ولا أموال لنا ، فوجدنا الأنصار نعم الإخوان ، فواخيناهم ووارثناهم فآخونا ، فآخى أبو بكر خارجة بن زيد ، وآخى عمر فلانا ، وآخى عثمان بن عفان رجلا من بني زريق بن أسعد الزّرقي ، قال الزبير : وآخيت أنا كعب ابن مالك ، ووارثونا ووارثناهم ، فلما كان يوم أحد قيل لي قد قتل أخوك كعب بن مالك ، فجئته فانتقلته فوجدت السلاح قد ثقلته فيما نرى ، فو الله يا بنيّ لو مات يومئذ عن الدنيا ما ورثه غيري ، حتى أنزل الله هذه الآية فينا معشر قريش والأنصار فرجعنا إلى مواريثنا. وأخرج أبو داود الطيالسي والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس قال : آخى رسول الله صلىاللهعليهوسلم بين أصحابه وورّث بعضهم من بعض ، حتى نزلت هذه الآية (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ) فتركوا ذلك وتوارثوا بالنسب.
* * *