ثمَّ إِذا افتَقَرَ لفظٌ إِلى شكلهِ ، مثَّلتُهُ بآخرَ من شكلهِ ، ومتى احتاجَ إِلى إِثباتٍ في كَشفه وفَسرِهِ ، شَدَدتُ أَسرَهُ وفَكَكتُ من أَسرِهِ ، وكلُّ ذلكَ مِمَّا يَهدِي إِلى المَراشِدِ ، ويدُلُّ على ضالَّةِ النَّاشِدِ.
وأَمَّا ما يخُصُّ الكتابَ والأَثرَ ، مِمّا لا يُقالُ فِيه الفَهمُ إِن عَثَرَ ، فإِنِّي أَكشِفُ من أَلفاظِهِ ما غَرُبَ واستَبهَمَ ، وأُبَيِّنُ من أَغراضِهِ ما أَهَمَّ وأَوهَمَ ، ولا أَقنَعُ في حلِّ مُعتاصِهِ ، بذكرِهِ عُموماً دونَ اختصاصِهِ ، لينالَهُ الطالبُ بأَدنى إِلمامٍ ؛ إِذ كان موضوعاً على حَبلِ الذّراعِ وطَرَفِ الثُّمامِ.
وقد سَلَكتُ في ترتيبِهِ الطَّريقَ المأنوس ، الذي رُتِّبَ عليهِ الصِّحاحُ والقاموس ، وهو أَشهرُ التَّرتيبِ تداوُلاً ، وأَسهلُه عِنْدَ الطَّلب تناولاً ، وأَمَّا طريقَةُ تحريرِهِ ، وأُسلوبُ تقريرِهِ ، فإِنِّي أَبدأُ الفصلَ من البابِ ، باللُّغةِ العامّةِ ثمَّ الخاصَّة بالكتابِ ، ثمَّ أَجيءُ على الأَثر بالأَثرِ ، ثمَّ بالمُصطَلَح فالمثلِ ، هذا إِذا اشتركَ الجميعُ في المادَّةِ ، واشتَبَكَ في سلوكِ تلكَ الجادَّةِ ، وإِلاّ ذكَرتُ ما اتَّفَقَ ؛ انفَرَدَ أَو ارتَفَقَ ، غير آلٍ فيما قَصَدتُ جُهداً ، ولا مُقصِّرٍ عمّا أَردتُ زُهداً ، على أَنِّي لا أَبيعُهُ بشرط البَراءة من كلِّ عَيْب ، فقد أَبَى اللهُ أَن يَصِحَّ إِلاّ كتابُهُ المُبرَّأُ من الرَّيب.
وإِذا منَّ اللهُ بإِتمامِهِ وتَطَوَّلَ ، سمَّيتُهُ « الطِّرازَ الأَوَّلَ » ؛ إِذ كان أَوَّلَ مُصَنَّفٍ جَمَعَ هذا الجَمعَ ، فَراقَ الأَبصارَ وشَنَّفَ السَّمعَ ، وإِلى الله أَرغبُ أَن يَنْفَعَ به كلَّ راغبٍ ، ويَقمَعَ عنه عَنَتَ كلِّ مُشاغبٍ ؛ فلستُ آمنُ من حاسدٍ يَقلِبُ لي ظهرَ المِجَنِّ ، ويَرمينِي بسوءِ الوَهم والظَّنِّ ، وإِذا كانت الأَعمالُ بِالنِّيَّاتِ ، والجزاءُ على حَسَب الطّوِيَّاتِ ، فحسبُ كلِّ عاملٍ ما نَوَى ، ولا أَعبأُ بمن يَنطِقُ عن الهَوَى. ومن اللهِ سُبحانَهُ أَستمدُّ في العِلم والعَمَلِ ، وبكرمِهِ أَستعِدُّ لنجاح السّؤل وبُلوغِ الأَملِ ، وعليه قصْدُ السَّبِيلِ ، وهو حَسبي ونعم الْوكيلُ.