تمهيد
التفسير قبل مقاتل
نزل القرآن الكريم بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم ، فكانوا يفهمونه ، ويدركون أغراضه ومراميه ، وان تفاوتوا فى هذا الفهم والإدراك ، تبعا لاختلاف درجاتهم العلمية ، ومواهبهم العقلية ، ولعل ابن خلدون كان مبالغا حين ذهب إلى أن الصحابة جميعا كانوا فى فهمه سواء (١) ، وقد قال ابن قتيبة وهو ممن تقدم على ابن خلدون ببضعة قرون : (ان العرب لا تستوي فى المعرفة بجميع ما فى القرآن من الغريب والمتشابه بل ان بعضها يفضل فى ذلك على بعض) (٢).
وقال مسروق : «جالست أصحاب محمد صلىاللهعليهوسلم فوجدتهم كالاخاذ ، فالإخاذ يروى الرجل ، والاخاذ يروى الرجلين ، والاخاذ يروى العشرة ، والاخاذ لو نزل به أهل الأرض لأصدرهم ، فوجدت عبد الله بن مسعود من ذلك الاخاذ» (٣).
وكان الصحابة رضوان الله عليهم ، إذا أشكل عليهم معنى من معاني القرآن ، لجأوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيوضحه لهم ، ويبينه كما قال تعالى : (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (٤).
فمن ذلك ما رواه أحمد والشيخان وغيرهم عن ابن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ) شق ذلك على الناس فقالوا يا رسول الله وأينا لا يظلم نفسه؟ قال انه ليس الذي تعنون ، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح «(إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ، سورة لقمان : ١٣ انما هو الشرك.
وما رواه الترمذي وابن حبان ، أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «الصلاة الوسطى صلاة العصر).
__________________
(١) المقدمة : ٤٨٩ ، (ان القرآن أنزل بلغة العرب وعلى أساليب بلاغتهم فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه فى مفرداته وتراكيبه)
(٢) ابن قتيبة : المسائل والأجوبة : ٨.
(٣) طبقات ابن سعد : ٢ / ١٥٠ ، بإسناد صحيح إلى مسروق.
(٤) سورة النحل : ٤٤.