ابن عرفة : قالوا : الأذى هو الشكوى بذلك ، والسبب عليه.
ابن عرفة : وتقدم لنا سؤال ، وهو أنه لا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم بل العكس ، فالمن أعم من الأذى ، فإذا لم يمنوا فأحرى أن لا يسبوا عليها ، وأجيب : بأن الإنسان قد يشكوا بإعطائه النفقة لغيره ويذم فيه ، ولا يمن عليه ؛ لأنه إذا رآه يستحي منه فلا يمن عليه ، فقال : المن على المعطي يكون بمحضره وفي غيبته قال : وإنما عادتهم يجيبون بأن سبب المن أخف من سبب الأذى ، فإنهم اعتبروا الفاعل ونحن نعتبر المفعول ، فنقول : سبب المن مجرد بذل المال للفقير فقط ، وأما الإذاءة والتشكي والسب فما يصدر إلا عن موجب أو قوي ، أو هو إذاءة المعطي للفاعل ، ونحو ذلك فلا يلزم من نفي المن نفي الأذى ، قال ، وقال هنا : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وقال بعضهم مثل : (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ) [سورة البقرة : ٢٧٤] فعطفه بالفاء ، فأجاب الزمخشري : بأن ينفقون لم يضمن هنا معنى الشرط وضمنه هناك ؛ لأن الفاء تدل على أن الإنفاق به استحق الأجر.
ابن عرفة : هذا الكلام بنفسه ولا يزال السؤال واردا ، فيقال : لأي شيء أريد الشرط هناك ولم يرد هنا؟ قال : لكن عادتهم يجيبون بأنه لما قصد هناك الإخبار بأن مطلق الإنفاق في سبيل الله يلزمه الأجر قل أو كثر ، أدخلت الفاء تحقيقا للارتباط ، ولما كان المراد هناك إنفاقا خاصا على وجه نسبه لحسنه موصوف بهذه الصفة ، وأكدت خصوصية ملازمته ، ومن المن والأذى فإن ترتيب الأمر عليه كالمعلوم بالبديهة ، وكما يستفاد من اللفظ فلم يحتج إلى ما تحقق الارتباط.
قوله تعالى : (أَجْرُهُمْ).
أفادت الإضافة بالاستحقاق أي أجرهم اللائق بهم فواحد يقل أجره ، وأخر يكثر ، وأجر في مادة التوسط يحتسب كماله ونفقته.
قوله تعالى : (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ).
قال : الخوف يتعلق بالمستقبل ، فالمناسب فيه أن يكون الفعل المقتضي للتجدد والحزن يتعلق بالماضي فالمناسب بالاسم المقتضى للثبوت والتحقيق.
قوله تعالى : (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ).