عادة ، بخلاف نفخ الروح وإحياء الموتى ، فلذلك أسنده إلى قدرة الله تعالى ، وإن كان الجميع بقدرته جل وعز ، ولما كان في سورة العقود في معرض تعداد النعم ، والامتنان من الله تعالى على عيسى ناسب تقييد الجمع فيها ، بقوله : (بِإِذْنِي) زاد الزبير أن في آية المائدة إشارة إلى توبيخ النصارى في زعمهم (إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ) [سورة المائدة : ٧٣] ، وأن عيسى ابن الله إلى غير ذلك ، كما يقال : أخذنا لغير عالم أحسن إليك ألم أعطك كذا فعل ذلك غيري ، فإذا اعترف به العبد انقطعت حجة من ظن خلافه ، فأعلم الله أن تلك الأمور بإذنه وكرر ذلك تأكيد الدفع توهم حول ، أو قوة لغير الله ، قال : وآية آل عمران إنما هي بشارة لمريم ، وإعلام بما منح ابنها عيسى فقط ، فلذلك كرر لفظه : (بِإِذْنِي) المائدة أربع مرات ، وهنا مرتين.
قوله تعالى : (وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ).
احتج بها ابن رشد على إبطال الحكم بعلم المنجمين لأنه قال في كتابه الجامع الرابع من بيانه : إن المنجم [١٨/٨٩] ... (١) الكل على أنه مصدق لها بالقول ، وهو مشكل ؛ لأن غيره من بني إسرائيل مصدقا لها موقنا بها.
ابن عرفة : والصواب عندي أنه مصدق لها بالفعل ، ونظيره أن يخبرك إنسان بأن الأمير يدخل هذا راكبا على فرسه معمما بعمامته ملتحفا بردائه به ، فيدخل هذا على تلك الصفة بالأمير مصدق لذلك الإنسان بالفعل ، وكذلك بالتوراة تضمنت أنه يأتي بعدها رسول من عند الله اسمه عيسى تكون معجزاته إحياء الموتى ، وإبراء الأكمة ، والأبرص ، والإخبار بالمغيبات ، والحوادث ، فيجيئه على هذه الصفة المقتضية لتصديقه لما في التوراة معجزة ، وآية من جملة الآيات.
ابن عرفة : والصدق والتصديق بينهما عموم وخصوص من وجوه دون وجوه فقد يكون الكلام في نفس الأمر صدقا ولا مصدق له وقد يصدق به وهو كذب ، فإن التصديق هنا بالفعل بحرف الجر ، في قوله : (مِنَ التَّوْراةِ) للتبعيض ، وإن كان من القول هو لبيان الجنس لأنه صدق جميع التوراة.
ابن عرفة : والتصديق لما تضمنه التوراة من الإخبار.
وقوله : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ).
__________________
(١) طمس في المخطوطة.